للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلتُ: إن إراقة الدم لا يكون قربة قياسًا، وإنما كانت قربة شرعًا بوقت مخصوص أو مكان مخصوص، فيكون ذلك الوقت شرطًا لكونه قربة، فإذا عدم لم تكن قربة، [وكان] (١) بمنزلة ما لو ذبح للحم، فلم يجز قبل الوقت المخصوص لا للتعجيل قبل السبب، ولكن لعدم شرط كونه قربة بعد وجود السبب؛ كما لو صام ليلًا بعد دخول شهر رمضان، فهذا كما امتنع من العبد أداء التكفير بالمال لعدم شرطه، وهو الملك لا لعدم سببه، فأما الصوم فقربة في كل يوم، فيصح بعد وجود سببه في كل يوم، وسببه قد وجد، وهو المتعة بإحرام العمرة، ولا يشكل على هذا دماء الكفارات (٢)، فإنها تصح قبل يوم النحر، وهي كلها رب لأنّا نقول الكفارات دماء جبر ولا وقت للجبر، فأما هاهنا فدم نسك عندنا، وللإحرام مناسك مؤقتة لا يتأدى قبل زمانها؛ لأنها غير مشروعة فيه كالصوم ليلًا.

(فيستحب تأخيره).

أي: تأخير الصوم إلى آخر وقت الصوم، وهو ثلاثة أيام في آخر وقت جواز الصوم، وهو قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة (٣)، رجاء أن يقدر على الأصل، وهو الهدي كما يستحب تأخير التيمم إلى آخر وقت الصلاة رجاء أن يقدر على الأصل الذي هو الماء فكذلك هاهنا.

(وإن صامها بمكة) (٤).

أي: وإن صام السبعة، وذكر في «الإيضاح» (٥): وأما صوم السبعة فيجوز إذا فرغ من أفعال الحجّ، وإنما لم يجز الأداء قبله؛ لأن صوم السبعة معلق بالرجوع، قال الله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (٦)، وتعجيل المعلق لا يصح؛ لأن التعليق ينفي كونه سببًا في الحل، بخلاف الإضافة على ما عرف من أصول (٧) أصحابنا، وإنما جاز الأداء بعد الفراغ من أفعال الحجّ؛ لأن الفراغ من الحجّ سبب للرجوع، فجاز الأداء بعد وجود السبب.


(١) أثبته من (ب).
(٢) سُمِّيت الكَفّارات كفَّارات لِأَنَّهَا تُكَفِّرُ الذُّنوب، أَي تَسْتُرها، مثل كَفَّارةِ الأَيْمان، وكفَّارة الظِّهار والقَتْل الخَطَإِ، وَقد بيَّنها اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابه وَأمر بهَا عباده، وَقد تكرَّر ذِكرُ الكَفَّارة فِي الحَدِيث اسْما وفِعلاً مُفرداً وجمعاً، وَهِي عبارةٌ عَن الفَعْلَة والخَصْلَة الَّتِي من شَأْنِها أَن تُكَفِّر الخَطيئة، أَي تَمْحُوها.
انظر: تاج العروس، (١٤/ ٦٤).
(٣) سقط من (ب) من قوله: وهو ثلاثة أيام إلى قوله: ويوم عرفة.
(٤) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٨)
(٥) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٧٤)، البحر الرائق في شرح كنز الدقائق (٢/ ٣٩١).
(٦) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٧) ساقطة من (ب).