للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وإذا قدر على الهدي في خلال صوم الثلاثة)؛ إذ بعدها قبل يوم النحر لزمه الهدي، ويسقط حكم الصوم؛ لأنه خلف.

وإذا قدر على الأصل قبل بادئ الحكم بالخلف سقط حكمه كما في سائر الأخلاف، وإن وجد الهدي بعدما حلق قبل أن يصوم السبعة في أيام الذبح أو بعدها، فلا هدي عليه؛ لأن التحلل قد حصل بالحلق، فوجود الأصل بعد حصول المقصود بالحلق لا يغير حكم الحلق، وقد اختلفت مشايخنا في صوم السبعة، قال أبو عبد الله: هو ليس ببدل عن الهدي، فإنه يجوز مع وجود الهدي، وذكر أبو بكر الرازي أنه بدل؛ لأنه يجب بالعجز عن الأصل.

وإن لم يحل حتى مُضُي أيام النحر، ثُمَّ وجد الهدي فصومه تام، ولا هدي عليه؛ لأن الذبح مؤقت بأيام النحر، فإذا مضت فقد حصل المقصود، وهو إباحة التحلل كأنه تحلل، ثُمَّ وجد الهدي.

(وقال الشافعي (١): لا يجوز)، أي:

قبل الرجوع، والوصول إلى الوطن. ذكره في «الأسرار» (٢).

لأنه معلق بالرجوع، فإن قلتَ: هذا التعليل منقوض على أصله لما أن التعليقات أسباب في الحال عنده، فحينئذٍ صار كأن الرجوع قد وجد على أصله ألا ترى أن الرجل إذا قال: إذا قدم فلان فلله عليّ أن أتصدق بدرهم، فعنده يجوز التعجيل بالتصدق قبل قدوم فلان، وعندنا لا يجوز بناء على [هذا] (٣) الأصل، والمسألة في نوادر (٤) صوم «المبسوط» (٥)، وعلى هذا الأصل أمضى (٦) جواز التكفير بعد اليمين قبل الحنث عنده، ثُمَّ هاهنا هو عين التعليق، فلم يَجُزْ فما وجهه؟

قلتُ: نعم كذلك إلا أنه يفرق بين البدني، والمالي في الواجبات، فبمجرد التعليق يثبت نفس الوجوب لا وجوب الأداء، فوجب الأداء عند وجود الشرط (٧)، وفي البدني لا ينفصل الوجوب عن وجوب الأداء فلما تأخر وجوب الأداء تأخر نفس الوجوب أيضًا، ولأنه لو انتقض مذهبه فلا علينا، وقد ذكر شمس الأئمة السرخسي كثيرًا ما نذكر من مناقضاته، فمنها ما ذكر في الفصل الثاني من «مناسك المبسوط» (٨)، واحتج الشافعي (٩) -رحمه الله- في أن القارن يطوف طوافًا واحدًا، ويسعى سعيًا واحدًا بحديث عائشة -رضي الله عنها- «طاف بحجته وعمرته طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا» (١٠) هكذا رواه الشافعي، وهذا منه تناقض ظاهر، فإنه روي عن عائشة -رضي الله عنها- في المسألة الأولى: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مفردًا» (١١)، ثُمَّ روى في هذه المسألة أنه كان قارناً.


(١) انظر: المجموع (٧/ ١٨٦)، مغني المحتاج (٢/ ٢٧٣).
(٢) انظر: الأسرار (ص ٤٥٩).
(٣) أثبته من (ب).
(٤) قلت: والمراد بمصطلح «رواية النوادر»: هي المسائل التي رويت عن أئمة المذهب: أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، مما هي مذكورة في غير كتب ظاهر الرواية المشهورة، بأن تكون مرويّة في كتبه الأخرى، مثل كتاب: «الجرجانيات»، و «الرّقّيات»، و «الكَيسانيات»، و «الهارونيات»، أو كتب غيره من أصحاب أبي حنيفة كـ «الأمالي» لأبي يوسف، «و «المجرد» للحسن بن زياد، أو تكون مروية بروايات مفردة، كرواية ابن سماعة، والمعلى بن منصور، وابن هشام، وابن رستم وغيرهم في مسائل معينة.
انظر: شرح عقد رسم المفتي (ص/ ٦٨)، الكواشف الجلية (ص/ ٦٢)، المذهب الحنفي (١/ ٣٦٢).
(٥) المبسوط (٣/ ١٣٠).
(٦) في (ب): أيضا.
(٧) الشرط عند الأصوليين: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
انظر: التعريفات (١٢٥)، التوقيف (٤٢٧)، معجم لغة الفقهاء (٢٣١).
(٨) انظر: المبسوط (٤/ ٢٧).
(٩) انظر: النووي في "المجموع" (٨/ ٦١)؛ الخطيب في "مغني المحتاح" (٢/ ٢٨٦).
(١٠) أخرجه الدارقطني في "سننه" بلفظ: «فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا» باب:
[المواقيت] (٣/ ٢٩٤) برقم: [٢٥٩١]؛ وأخرجه ابن ماجه في "سننه" باب: [طَوَافِ الْقَارِنِ] (٢/ ٩٩٠) برقم: [٢٩٧٢].
(١١) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ يَكْفِيهِمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بَعْدَ عَرَفَةَ فَإِنْ كَانَا قَدْ سَعَيَا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ اقْتَصَرَا عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ بَعْدَ عَرَفَةَ وَتَحَلَّلَا] (٥/ ١٧٢) برقم: [٩٤١٨]، وصححه ابن حبان في "صحيحه" باب: [ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَمَرَهُمْ مَا وَصَفْنَا قَبْلَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ مَرَّةً أُخْرَى مِثْلَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ بِسَرِفٍ] (٩/ ٢٢٨) برقم: [٣٩١٩].