للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فوجه التمسك به أن الطواف اسم الدوران حول البيت، وذلك يتحقق من المحدث، والطاهر فاشتراط الطهارة فيه (١) يكون زيادة على النص، ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد ولا بالقياس، ولكن الوجوب يثبت بخبر الواحد؛ لأنه يوجب العمل، ولا يوجب علم اليقين، فلم تصير الطهارة ركنًا، ولكنها واجبة، وهو الصحيح من المذهب.

وكان ابن شجاع يقول: "إنه سنة"، وإيجاب الدم عند تركه دليل على وجوبه، ثُمَّ المراد من الحديث تشبيه الطواف بالصلاة في حق الثواب دون الحكم ألا ترى أن الطواف يتأدّى بالمشي، والمشي مفسد للصلاة، ولأن الطواف من حيث أنه ركن الحجّ لا يستدعي الطهارة كسائر الأركان، ومن حيث أنه متعلق بالبيت يستدعي الطهارة كالصلاة، وما يتردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلشبهه بالصلاة تكون الطهارة واجبة فيه، ولكونه ركنًا من أركان الحجّ يُعتد به إذا حصل من غير طهارة كذا في «المبسوط» (٢).

(فيجبر بالصدقة إظهارًا لدنو رتبته عن الواجب).

فإن قلتَ: ينبغي ألّا يختلف الجائز بين الفرض، والنفل لما أن نقائص الحجّ

تجبر بالدماء كنقائص الصلاة يجبر بسجدتي السهو، ثُمَّ أن سجدتي السهو كما

تجب لنقائص الصلاة المفروضة كذلك يجب لنقائص صلاة التطوع، فلم يختلف الجائز فيها بين فرض ونفل، فيجب أن يكون هنا كذلك؛ لأنه قيس هذا بذاك في مواضع.

قلتُ: نعم كذلك إلا أن الجائز في حق الصلاة شيء واحد متعين فلا تعد، ووجوب الجبر منه إلى آخر لما أنه ليس له جابرٌ آخر شرعاً، وأما هاهنا فالجابر شُرِعَ مختلفاً في نفسه من البدنة، والشاة، والصدقة فأمكن فيه إظهار التفاوت، فلذلك وجب متفاوتاً على ما هو مقتضى القياس/ وكان أفحش من الأول، وهو طواف القدوم، ولأن الجنابة أغلظ من الحدث ألا ترى أن المحدث لا يمنع من قراءة القرآن، والجنب يمنع من ذلك، ولأن المنع مع الجنابة من وجهين من حيث الطواف، ومن حيث دخول المسجد، ومنع المحدث من [وجه] (٣) واحد فلتفاحش النقصان هنا قلنا يلزمه الجبر بالبدنة.

(لأن أكثر الشيء له حكم كله).

أي: تركًا، وتحصيلًا فإن قلتَ: من أين وقعت المفارقة بين هذا وبين سائر الفرائض من الصلاة والصوم حيث لا يقام هناك أكثر ركعات الصلاة مقام كله، وأكثر الصوم مقام كله، وهنا تقام، والقياس يقتضي ألّا يقام الأكثر هنا أيضًا مقام الكل كما هو مذهب الشافعي (٤) لما أن الطواف سبعة أشواط ثابت بالأحاديث المتواترة يثبت بها الزيادة على كتاب الله تعالى، والفرضية.


(١) ساقطة من (ب).
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٣٨).
(٣) أثبته من (ب).
(٤) انظر: الخطيب في "مغني المحتاج" (٦/ ٢٤٣).