للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا ترى أنه قال في الكتاب: لو طاف للزيارة جنباً في أيام النحر، ثُمَّ أعاد طوافه بعد مضي أيام التشريق، فعليه دم عند أبي حنيفة لتأخير طواف الزيارة عن وقته، ولو كان المعتد به هو الأول لم يلزمه دم التأخير؛ لأن الأول مؤدًى في وقته، وأما مسألة التمتع فلأنه بما أدى من الطواف في رمضان وقع له الأمن عن فساد العمرة، وإذ أمن فسادها قبل دخول وقت الحجّ لا يكون بها متمتعًا لما أن/ الأول كان حكمه يراعى لتفاحش النقصان فيه، فإن إعادة الفسخ الأول، وصار المعتد به الثاني، وإن لم يعد كان هو معتداً به في التحلل كمن قام في صلاته، ولم يقرأ حتى ركع كان قيامه، وركوعه مراعى على سبيل التوقف، فإن عاد فقرأ، ثُمَّ ركع قرأ انفسخ الأول بالثاني حتى أن من أدرك معه الركوع الثاني كان مدركًا للركعة، وإن لم يعد، وقرأ في الركعتين الأخريين كان الأول معتداً به، وهذا بخلاف المحدث؛ لأن النقصان هنا (١) يسير، فلا يتوقف به حكم الطواف الأول، بل بقي معتدًا به على الإطلاق، فكان الثاني جابرًا للنقصان المتمكن فيه كذا في «المبسوط» (٢).

وبالثاني قال أبو بكر الرازي: ورجح في «الإيضاح» قول أبي الحسن الكرخي (٣) على قول أبي بكر الرازي، وهو أن يكون الثاني جابرًا، فقال: وهو أقرب إلى الفقه؛ لأن فيه تقدير ما حكم بالاعتداد به، وهذا أولى من الفسخ، والله أعلم.

لأن بعد الإعادة لا تبقى إلا شبهة النقصان، وهي نقصان الطواف بالحدث كما ذكرنا من «المبسوط» (٤)، وليست شبهة النقصان تأخير الطواف عن أيام النحر؛ لأنه لو كان كذلك لوجب عليه شيء من الدم أو الصدقة على قول أبي حنيفة ولم يجب، عُلم أن شبهة النقصان كانت بسبب الحدث، وقد ارتفعت تلك الشبهة بالإعادة، فلا يجب شيء.

(وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة).

أي: الشاة، فإن البدنة تسقط بالإعادة بالاتفاق على ما عُرف من مذهبه فإن من مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- أي (٥): من أخر نسكًا عن نسك، أو قدم نسكاً على نسك يجب عليه الدم حتى أن من حلق قبل الرمي أو ذبح القارن قبل الرمي أو حلق قبل الذبح يلزمه الدم عند أبي حنيفة، وعندهما لا يلزمه الدم بالتقديم، والتأخير، كذا في «المبسوط» (٦). لأن النقص كثير، فصار بمنزلة عدم الطواف.


(١) في (ب): هناك.
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٣٩).
(٣) أبو الحسن الكرخي: هو عُبَيْد الله الكَرْخي (٢٦٠ - ٣٤٠ هـ = ٨٧٤ - ٩٥٢ م)، أبو الحسن: فقيه، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق. مولده في الكرخ ووفاته ببغداد. له " رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية - ط " و " شرح الجامع الصغير " و " شرح الجامع الكبير " الاعلام للزركلي،
ج ٤، ص ١٩٣
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ٣٩).
(٥) في (ب): أن.
(٦) انظر: المبسوط (٤/ ٤٢).