للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: الكفارة عطفت (١) على الجزاء، أي: على قوله: {فَجَزَاءٌ} (٢)، وفي «الكشاف» (٣): {هَدْيًا} حالٌ عن جزاءٌ فيمن وصفه بمثل؛ لأن الصفة خصّصته فقرّبته من المعرفة، أو يدل عن مثل، فيمن نصبه أو عن محله فيمن جره، ويجوز أن ينتصب حالاً عن الضمير في به، فإن قلتَ: بم يرفع كفارة من ينصب جزاء؟

قلتُ: يجعلها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: أو الواجب عليه كفارة، أو تقدر فعليه أن يجزئ جزاء، أو كفارة فيعطفها على أن يجرئ.

وقرئ: (أو كفارةُ طعامِ مساكين) على الإضافة، وهذه الإضافة مبنية كأنه قيل: أو كفارة من طعام مساكين كقولك: خاتم فضة بمعنى خاتم من فضة.

ويقومان في المكان الذي أصابه، وكذلك يعتبر الزمان الذي أصابه فيه؛ لأن القيمة تختلف باختلاف الأزمنة أيضًا كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٤)، و «المحيط» (٥).

(ويجوز الإطعام في غيرها).

أي: في غير مكة، وقال الشافعي (٦) -رحمه الله-: لا يجوز؛ لأن الغرض/ من نقل الهدايا التوسعة على سكان الحرم بلحومها، فاعتبر الطعام لها، وقلنا: لا بل اختص الهدي بالحرم ليصير قربة؛ لأن الإراقة لا تعقل قربة، ألا ترى أنها لو أريقت خارج الحرم، ثُمَّ تُصدق بلحمها على فقراء الحرم لم يجز، وأما الطعام فيعقل التصدق بها قربة، كذا ذكره فخر الإسلام -رحمه الله-.

(فإن ذبح الهدي بالكوفة أجزأه عن الطعام) (٧) معناه إذا تصدق باللحم.

ولكن بين الذبحين فرق، أعني: الذبح بالكوفة، والذبح بمكة مع أن التصدق فيهما واجب، فإنه إذا ذبح بمكة، ثُمَّ سُرق قبل أن يتصدق بلحمه يخرج عن عهدة الجزاء؛ لأن الهدي قد بلغ محله، ووجوب التصدق كان متعلقًا بعين المذبوح فسقط الوجوب بهلاكه كما في مال الزكاة.

وأما إذا ذبح بالكوفة، فلا يخرج عن العهدة بسرقة المذبوح، بل يبقى عليه وجوب الجزاء كما كان في الأشياء الثلاثة كما ذُكر؛ لأنه لا يخرج عن العهدة بمجرد الإراقة في غير الحرم لما ذكرنا، وقد ذكرناه قبل هذا قبيل فصل مسائل (٨) الجماع.


(١) في (ب): عطفًا.
(٢) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(٣) انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٧٩).
(٤) انظر: المبسوط للشيباني (٢/ ٤٥٢)، العناية شرح الهداية (٣/ ٧٨).
(٥) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٧٨).
(٦) انظر: النووي في "المجموع" (٧/ ٤٢٨).
(٧) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٢)
(٨) ساقطة من (ب).