للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: هذا التعليل يدل على أن الدم في الغيب متعلق بقوله: (ذبحه) لا بقوله: (يحل)، ولكن يثبت الحل لذلك الغير الذي ذبحه لأجله لانتقال الفعل إليه، ولكن لفظ «المبسوط» (١) يدل على أنه حلال لغيره سواء ذبحه لأجله أو لنفسه، فقال: لا يحل تناول ما ذبحه المحرم لأحد من الناس.

وقال الشافعي (٢): "لا يحل للمحرم القاتل تناوله، ويحل لغيره من الناس".

وفي «الوجيز» (٣) للغزالي، "وما ذبحه المحرم بنفسه فأكله حرام عليه"، و [هل] (٤) هو ميتة في حق غيره؟ فيه قولان.

وفي «المبسوط» (٥): (وحجته في ذلك أن معنى الذكاة في تسييل الدم النجس من الحيوان، وشرط الحل التسمية ندبًا أو واجبًا على اختلاف الأصلين، وذلك يتحقق من المحرم كما يتحقق من الحلال إلا أن الشارع حرم التناول على المحرم القاتل بطريق [العقوبة] (٦) ليكون زجراً له"، وهذا لا يدل على حرمة التناول في حق غيره كما يجعل المقتول ظلمًا حيًّا في حق القاتل حتى لا يرثه، وهو ميت في حق غيره، وحجتنا في ذلك قول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (٧)، والفعل الموجب للحل يسمى ذكاة شرعاً، فلما سماه قتلًا هاهنا عرفنا أن هذا الفعل غير موجب للحل أصلاً).

قوله -رحمه الله-: (ولنا أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام فلا يكون ذكاة).

(فإن قلتَ: يشكل على هذا ذبح شاة الغير بغير إذنه بأنه حرام محض حتى لو اضطر المسلم بين أكل الميتة فأكل مال الغير كان عليه أن يأكل الميتة لا مال الغير)، كذا في «المحيط» (٨) لما فيه من إتلاف ماله، ومع ذلك لو ذبحها، وهو فعل حرام يقع ذكاة فيحل تناولها.

قلتُ: الذبح إذا كان ما يمنعه من الحل بالنهي لمعنى بالذابح أو المذبوح كان ذلك نهيًا لمعنى في عين (٩) الفعل فكان مانعًا من أن يكون المنهي عنه مشروعًا، وإذا كان المنع بالنهي لمعنى بالثالث، وهو المالك كان النهي لمعنى في غيره، ولم يصر عين الذبح حرامًا، بل الحرمة هناك كانت لصيانة حق المالك حتى زالت تلك الحرمة بإذنه، فكان مشروعاً في نفسه، ألا ترى أن سبب الملك إذا ورد على الصيد لم يفد الملك كالورود على الخنزير؛ لأنه يزيل إلا من حكمها، ويدل على هذا الأصل


(١) انظر: المبسوط (٤/ ٨٥).
(٢) انظر: النووي في "المجموع" (٧/ ٣٠٤).
(٣) انظر: الوجيز (١/ ٢٧٠).
(٤) أثبته من (ب)، وفي (أ) قيل، ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ٨٥).
(٦) أثبته من (ب)، وفي (أ) العفو، ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(٧) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(٨) انظر: المحيط البرهاني (٢/ ٤٤٥).
(٩) في (ب): غير.