للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في «الإيضاح» (١): ولو قتل المحرم صيدًا في الحرم فعليه ما على المحرم أي: ما على المحرم الذي كان خارج الحرم، ولا يجب عليه لأجل الحرم شيء، والقياس أن يلزمه كفارتان؛ لأنه جنى على الإحرام، وعلى الحرم جميعًا فيجب عليه موجبهما، ووجه الاستحسان، وهو أن معنى تفويت الأمن إذا اعتبر مرة لإيجاب ضمان لا يمكن اعتباره لا يجاب ضمان آخر، وإنما أوجبنا ضمان الإحرام فيه معنى الجزاء وضمان المحل أيضًا، وضمان الحرم يجب عوضاً عن المحل لا غير مكان ضمان الإحرام مشتملاً على ضمانين فكان أولى،/ وذُكر في «شرح الطحاوي» (٢) المحرم إذا قتل صيداً في الحرم كان ينبغي أن يجب عليه جزءان للإحرام، وللحرم إلا أنه يجب عليه جزاءٌ واحدٌ؛ لأن حرمة الإحرام أقوى؛ لأن المحرم يحرم عليه الصيد في الحل، والحرم جميعًا واستتبع أقوهما أضعفهما.

ولا يجزيه الصوم أي: فيما إذا قتل الحلال صيد الحرم، وأما إذا قتله المحرم في الحرم فإنه يتأدّى كفارته بالصوم؛ لأن في حق المحرم لا يظهر حرمة الحرم، فالواجب عليه كفارة، ولهذا يتأدى بالصوم، وعلى هذا لو دل محرم على صيد في الحرم وجب عليه الجزاء بخلاف الحلال إذا دلّ على صيد في الحرم كذا في «المبسوط (٣)»؛ لأنها غرامة وليست بكفارة فأشبه ضمان الأموال، فإن قلتَ: لو كان [ضمان] (٤) قتل صيد الحرم غرامة تشبه ضمان أموال الناس يجب أن لا يؤدي في ضمن أداء جزاء الإحرام فيما إذا قتل المحرم صيد الحرم كما لا يؤدي ضمان حق العبد في ضمن أداء جزاء الإحرام فيمن قتل صيداً مملوكاً لإنسان أو شرب خمر الذمي.

قلتُ: نعم كذلك إلا أن حرمة الحرم دخلت في حرمة الفعل بالإحرام فيما نحن فيه؛ لأن حرمة الحرم في إثبات [الأمن] (٥) للصيد، وكذلك حرمة الإحرام، وهذان الضمانان لله تعالى، فأمكن أن يجعل أحدهما تبعاً للآخر بخلاف شرب خمر الذمي؛ لأن ما يجب بأداء الفعل حد الله تعالى فلا يمكن أن يُعطى (٦) به حق العبد، فصار حق العبد كأن الضمان لم يستوف فظهر، وإن كان تبعًا، وكذلك في قتل صيد مملوك لإنسان إلى هذا أشار في «الأسرار» (٧)، ولكن مشابهته بضمان الأموال من حيث أن وجوب الضمان باعتبار تفويت وصف ثابت في المحل، وهو صفة الأمن الثابت للصيد بسبب الحرم.


(١) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ٢٠٧).
(٢) انظر: شرح مشكل الآثار (٨/ ١٧٨).
(٣) انظر: المبسوط (٤/ ١٠٠).
(٤) أثبته من (ب).
(٥) أثبته من (ب) وفي (أ) الأمر ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(٦) في (ب): يُقضى.
(٧) الأسرار (ص ٢٧٠).