للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنه إنما يتغير هذا الحكم بتغير وصف المحل بخروجه من الحرم إلى الحل، وألا ترى أنه كما يجب ضمان الصيد بسبب الحرم يجب ضمان النامي من الأشجار النابتة في الحرم، ولاشك أن ما يجب بقلع (١) الأشجار يكون عدم المحل فكذلك ما يجب بقتل صيد الحرم يكون غرم المحل، فكان أشبه بغرامات الأموال، فكما لا مدخل للصيام في غرامات الأموال، وإن كان وجوبها بحق الله تعالى كإتلاف مال الزكاة والعُشر، فكذلك لا مدخل للصوم في جزاء صيد الحرم، وهذا لأنه لما أزال الأمن عن محل أمن لحق الله تعالى، فيلزمه بمقابلته إثبات صفة الأمن عن الجوع للمسكين حقًّا لله تعالى، وذلك بالإطعام يحصل دون الصيام، فأما صيد الإحرام، فلما كان الواجب لارتكابه فعلًا محرمًا حقّاً لله تعالى متأدى بفعل هو قربة حقًّا لله تعالى وهو الصيام. كذا في «المبسوط» (٢).

فإن قلتَ: لو كان جزاء صيد الحرم من قبيل الغرامة، ومن قبيل ما يشبه ضمان أموال الناس لوجب على الصبي، والمجنون، والكافر غرامة إذا استهلكوا كما في أموال الناس، وقد نص في «الإيضاح»: على أنه لا يجب عليهم.

قلتُ: هذا الضمان، وإن كان ضمان المحل من حيث أنه يتعلق بتفويت المحل، ولكن فيه معنى الجزاء أيضًا حتى أن حلالًا لو أصاب صيد الحرم، فقتله وفي يده حلال آخر، فعلى كل واحد منهما جزاء كامل لما أن كل واحد منهما متلف بجهة أحدهما بالأخذ المفوت للأمن، وذلك في معنى استهلاك.

والثاني: الإتلاف حقيقة، فكان كمال الضمان على كل واحد منهما بمعنى آخر بخلاف المغصوب إذا أتلفه متلف في يد الغاصب حيث يجب ضمان واحد؛ لأنه عوض عن المحل لا غير، ثُمَّ يرجع الأخذ على القاتل هنا بما ضمن بالاتفاق، أما على قول أبي حنيفة -رحمه الله- فظاهر؛ لأنه قال في باب الإحرام: إن المحرم يرجع على القاتل.

وأما على قولهما، فيرجع في الحرم على القاتل لا يرجع في باب الإحرام؛ لأن الواجب على المحرم جزاء فعله، فلا يرجع على غيره، والواجب في باب الحرم ضمان المحل، فيجوز أن يرجع على غيره، كذا في «الإيضاح».

(لأن الحرمة باعتبار معنى فيه). أي: في المحرم لا في الصيد، والفرق ما ذكرناه، وهو قوله:

(لأنها غرامة) إلى قوله: (والواجب على المحرم بطريق الكفارة).

وهل يجزيه الهدي، ففيه روايتان في إحدى الروايتين لا يتأدى الواجب بإراقة الدم بل بالتصدق باللحم حتى يشترط أن تكون قيمة اللحم بعد الذبح مثل


(١) في (ب): بقطع.
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٩٨).