للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ثُمَّ أحرم بعمرة).

رفضها، ولزمه دم الرفض، وقضى العمرة هذا في الآفاقي، وأما المكي فقد ذُكر، وذكر في «الفوائد الظهيرية» (١)، وأصل هذا أن الجمع بين إحرامي الحجّ أو إحرامي العمرة بدعة لكن إذا جمع بينهما لزماه عند أبي حنيفة -رحمه الله- وأبي يوسف، وعند محمد، والشافعي (٢) يلزمه أحدهما.

والكلام مع الشافعي بناء على أن الإحرام عنده من الأداء أي: الأركان، وعندنا الإحرام شرط الأداء، ومحمد يقول الإحرام، وإن كان شرط للأداء إلا أنه ما شُرع إلا للأداء، فلا يشرع إلا على الوجه الذي يتصور الأداء وأداء حجتين أو عمرتين معًا لا يتصور، فلا يتصور الإحرام لهن أيضًا كالتحريمة في باب الصلاة، وهما يقولان: الإحرام بالحجّ التزام محض في الذمة بدليل أنه يصح منفصلًا عن الأداء، والذمة تسع حججاً كثيراً، فصار من هذا الوجه نظير النذر بخلاف التحريمة للصلاة؛ لأنها لا تصلح منفصلة عن الأداء إلا أنه لابد من/ رفض أحدهما عندهما إما تورعاً عن ارتكاب المنهي وإما؛ لأن البقاء للأداء لا للالتزام، والجمع أداء غير (٣) متصور (٤)، فبعد هذا قال أبو حنيفة -رحمه الله-: "إذا توجه إلى أداء إحديهما يصير رافضًا للأخرى"، وقال أبو يوسف: "كما فرغ من الإحرامين يصير رافضاً إحداهما".

وفائدة الاختلاف فيما إذا قتل صيداً قبل أن يتوجه إلى إحدهما على قول أبي حنيفة يلزمه قيمتان، وعلى قول أبي يوسف يلزمه قيمة واحدة، وكذلك إذا أُحصر في هذه الحالة يحتاج إلى هديين للتحلل عند أبي حنيفة خلافًا لأبي يوسف.

وإذا ثبت هذا فيقول: إن حلق في الإحرام الأول، ثُمَّ أحرم في يوم النحر بحجة أخرى لزمته الأخرى، ولا يلزمه شيء آخر؛ لأن الأولى قد انتهت نهايتها، وأما إذا لم يحلق في الإحرام الأول (٥)، ثُمَّ أحرم بحجة أخرى صار جامعًا بين إحرامي الحجّ، فبعد ذلك لا [يخلو] (٦) أما أن يحلق للأولى في هذه السنة أو لم يحلق إلى السنة الثانية، فإن حلق في هذه السنة، فقد تحلل عن الأولى لكن جنى على الثانية بالحلق، وإن لم يحلق إلى السنة الثانية فقد أخّر الحلق في الأولى عن وقته، والتأخير عن الوقت مضمون في قول أبي حنيفة، فلذلك قال في الكتاب: وعليه دم قصر أم لم يقصر عند أبي حنيفة.


(١) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ١١٧).
(٢) انظر: النووي في "المجموع" (٨/ ٢٦٣).
(٣) في (ب): لا.
(٤) في (ب): يتصور.
(٥) أي إن لم يحلق في الأولى، وأحرم صار جامعا بين إحرامي الحج، فبعد ذلك: إما أن يحلق للأولى في خذة السنة، أو يؤخر الحلق إلى السنة الثانية، فإن حلق تحلل عن الأولى ولكن جنى على الثانية بالحلق، وإن أخر فقد أخر الحلق عن الأولى عن وقته. انظر: العناية (٢/ ١١٧)، تبيين الحقائق (٣/ ٧٥)، (٣/ ٨٠٠).
(٦) أثبته من (ب) وفي (أ) يخ، ولعل الصواب ماأثبته لأنه اختصار ل يخلو.