للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجمار الثلاث فحسن لما فيه من مراعاة سنة الترتيب، وهو نظير ما سبق أن الطائف إذا دخل الحطيم في طوافه لا ينبغي له ذلك، فإن أعاد على الحطيم أجزأه، وإن أعاد الطواف كله كان حسنًا كذا ذكره الإمام المحبوبي.

قوله -رحمه الله-: (وقال الشافعي لا يجزيه ما لم يُعد الكل).

اعلم أن أصحابنا، والشافعي (١) -رحمه الله- كلهم (٢) عكسوا هنا ما (٣) قالوا في اشتراط ترتيب الفوائت في الصلاة، فإن الترتيب عندنا في الصلاة شرط خلافًا له، وهاهنا على العكس فكلٌ احتاج إلى الفرق، والشافعي يقول: الصلوات كل واحدة منها مقصودة بنفسها، فلا تكون تبعًا لغيرها، وأما جمرات اليوم كلها فواحدة بدليل أنه يجب دم واحد بترك الكل، عُلم أن الجمرة الأخيرة مرتبة على الأولى لضرورة القول بالاتحاد، وعلماؤنا قالوا: كل جمرة مقصودة بنفسها؛ لأن كل واحدة منها متعلقة ببقعة على حدة، والبقعة في باب الحجّ أصل فكان ما شُرع فيه أصلاً أيضًا، فلا يتعلق جواز البعض بالبعض.

ألا ترى أنه لو أعاد على الترتيب كان مؤديًا لا قاضيًا، وأما في الصلاة فقد جاء النص بأن ما صلى من غير رعاية الترتيب صلاة قبل وقتها، ويتعلق جواز بعضها بالبعض إلى هذا أشار في «الأسرار» (٤).

(لأنه دونه): أي: لأن السعي دون الطواف، أي: أحطُ منزلة من الطواف؛ لأن الطواف فرض كطواف الزيارة أو من جنس الفروض كما في طواف القدوم، وأما السعي فواجب على كل حال فكان دون الطواف فصلح أن يكون تابعًا للطواف.

(والْمَروَةُ عُرِفَتْ مُنْتَهى السَّعِي بالنَّصِّ).

وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ابْدَؤُوا بما بدأ الله» (٥) أراد به قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (٦)، وهذا إشارة إلى الوجوب، وهو قوله:

(لا يركب حتى يطوف).

وهو رواية «جامع الصغير» (٧)، وهو الصحيح؛ لأنه التزم الحجّ بصفة الكمال كذا في «الجامع الصغير» (٨) لقاضي خان -رحمه الله-.


(١) انظر "المجموع" للنووي (٨/ ٢٣٩).
(٢) ساقطة من (ج).
(٣) ساقطة من (ج).
(٤) انظر: الأسرار (٤١٨).
(٥) الحديث بهذا اللفظ، أخرجه النسائي في المجتبى في الحج، باب (١٦٣) برقم (٢٩٦٢)، والدارقطني (٢/ ٢٥٤)، وكلاهما من حديث جابر -رضي الله عنه- مرفوعًا، وصححه ابن حزم والنووي كما في التعليق المغني على الدارقطني (٢/ ٢٥٤).
(٦) سورة البقرة من الآية (١٥٨).
(٧) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ١٧١).
(٨) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ١٧١).