للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لأنه التزمَ قربة بِصِفَةِ الكَمالِ).

وهو الحج ماشيًا بدليل ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال بعدما كُف بصره «ما تأسفت على شيء كتأسفي على أن لم أحج ماشيًا» (١) فإن الله تعالى قدّم المشاة فقال تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} (٢)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من حج ماشيًا (٣) فله بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم» قيل: وما حسنات الحرم قال: «كل حسنة بسبعمائة»، وعن الحسن بن علي - رضي الله عنه - أنه كان يمشي في حجة والجنائب تقاد إلى جنبه، فإن قلتَ: كيف يستقيم هذا؟

وقد كره أبو حنيفة -رحمه الله- المشي في طريق الحجّ قلنا ما كره المشي مطلقًا، وإنما كره الجمع بين الصوم والمشي؛ لأنه إذا فعل ذلك ساء خلقه فجادل رفيقه، والجدال في الحجّ منهي عنه، فإن قيل: ليس للمشي نظير في الفرائض، والواجبات ينبغي أن لا يصح النذرُ به قلنا: لا، بل له أصل فإن المكي الفقير إذا لم يملك الزاد، والراحلة، وأمكنه المشي إلى عرفات وجب عليه الحجّ ماشيًا، وأيدته السنة، وهي ما روي عن عقبة بن عامر الجهني (٤) - رضي الله عنه - أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تحج ماشية حافية، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لغني عن تعذيب أختك فلتركب، ولتذبح لركوبها شاة» (٥)، وفي بعضها: «ولترق دمًا» (٦)، فلو لم يجب الحجّ ماشيًا لما أوجب الكفارة بالركوب، ثُمَّ لم يذكر محمد في شيء من الكتب من أي موضع يبدأ.


(١) ذكره صاحب الكامل في الضعفاء (٥/ ٤٢٤).
(٢) سورة الحج من الآية (٢٧).
(٣) سقط من (ج) (من) فإن الله (إلى) حج ماشياً.
(٤) هو: عقبة بن عامر بن عبس بن عمر الجهني، الصحابي المشهور، كان قارئاً عالماً بالفرائض، من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الكريم، وهوأحد من جمع القرآن، شهد فتوح الشام وكان أميراً لمعاوية على مصر، مات سنة ٥٨ رضي الله عنه.
انظر: أسد الغابة (٤/ ٥٣)، سير أعلام النبلاء (٢/ ٤٦٧)، الإصابة (٢/ ٤٨٢).
(٥) روي هذا الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: عبدالله بن مالك اليحصبي وآخرون. ففي رواية عبدالله بن مالك اليحصبي عنه (حافية غير مختمرة) وفيه: (فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام). أخرجه أبوداود: الأيمان والنذور باب (٢٣) من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية (٣/ ٥٩٦)، والنسائي: الأيمان والنذور، باب إذا حلفت المرأة تمشسي حافية غير مختمرة (٧/ ١٩)، وابن ماجة: الكفارات، باب من نذر أن يحج ماشياً (١/ ٦٨٩)، وأحمد (٤/ ١٤٩)، قال الترمذي: هذا حديث حسن. وفي رواية ابن عباس عنه: (تركب وتهدي هدياً) عند أبي داود والدارمي (٢/ ١٨٣)، وعند الطحاوي (٣/ ١٣١): (تركب ولتختمر ولتهد هدياً) وفي رواية دخين الحجري عنه عند الطبراني (١٧/ ٣٢٠) (مرها فلتختمر ولتركب ولتحج) هكذا في المطبوع. وفي رواية أبي الخير مرثد عنه: (لتمش ولتركب) أخرجه البخاري: جزاء الصيد، باب (٢٧) من نذر المشي إلى الكعبة (الفتح ٤/ ٧٩)، ومسلم النذر باب (٤) من نذر أن يمشي إلى الكعبة (٣/ ١٢٦٤).
(٦) الدم: والدماء الواجبة في الإحرام ثمانية وهي: دم التمتع، دم القِران وهو شاة أو ناقة أو سبع الناقة أو سبع البقرة، دم الاحصار وهو شاة تذبح في الحرم، دم الفوات، ودم الواجب بترك واجب من واجبات النسك كالإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار، الدم الواجب بإجماع النسك، الدم الواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو شجره، انظر:، فقه العبادات، الحج، (١٤٨)