للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويجوز جمع المصادر (١) وتثنيتها إذا كانت في آخرها تاء التأنيث كما في قولهم: أجزأته السجدة عن التلاوتين، والتلاوات المتعددة في مكان واحد بمنزلة تلاوة واحدة، ولأن المصدر يؤول بالحاصل من المصدر فيجمع كالعلوم والبيوع. ومنه قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: ١٠]

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الْآيَةَ. [المائدة: 6].

- قوله: (قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ٦] الآية). كان من حقه أن يؤخر الآية عن قوله: ففرض الطهارة؛ لأن [حجة] (٢) المدعي على ما ادعاه إنما يكون بعد الدعوى لا محالة كما أخبر في غير هذا الموضع من قوله: والمعاني الناقضة للوضوء ما يخرج من السبيلين؛ لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ} [المائدة: ٦] الآية وغيره إنما فعل ذلك تبيينًا للأصل وهو أن الأصل لثبوت/ ٣/ أ/ الأحكام بالأصول الثلاثة أو الأربعة، وكان من حق الوضع أن يكون في المواضع كلها كذلك لما أن الفرع بعد ثبوت الأصل؛ لأنه مبني عليه، والأصل إن ترك استعماله لا يخرج عن كونه أصلاً، لكن يبقى سؤال: [ما] (٣) جهة الاختصاص بهذا الموضع لإجراء الأصل؟

قلنا: هي [للتبرك] (٤) بالافتتاح بكلام الله تعالى.

- قوله تعالى: ({إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦]) أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة كما في قول الشاعر:

إذا [طبخت] (٥) فابدئي بالميمنة.

فإن قلت: لِمَ جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل؟

قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وقصده إليه، فكما عبَّر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم: الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر. أي: لا يقدر على الطيران والإبصار. ومنه قوله تعالى: {وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ١٠٤] أي: إنا كنا قادرين على الإعادة، كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، وذلك لأن الفعل سبب عن القدرة والإرادة على الخصوص؛ إذ لا يوجد الفعل بدونها فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما، ولإيجاز الكلام عند عدم اللبس، كذا في «الكشاف» (٦). ثم ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة سواء كان محدثًا أو غير محدث، وعليه أصحاب الظواهر (٧) فقالوا: الوضوء سببه القيام إلى الصلاة، فكل من قام إليها فعليه أن يتوضأ.


(١) في حاشية (أ): «لا يختص جمع المصدر بذي التأويل بجمع عددي [ … ] من المصادر عند قصد الأنواع على ما صرح الرضي في بحث المفعول المطلق».
(٢) في (ب): «الثلث».
(٣) أضفتها ليستقيم المعنى.
(٤) في (ب): «التبرك».
(٥) في (ب): «طخيت»، وفي حاشية (أ): «طعنت». ولم أجد قائل هذا البيت فيما اطلعت عليه من كتب الشعر
(٦) تفسير الكشاف للزمخشري (١/ ٦٠٩).
(٧) مذهب الظاهرية وهم الذين يأخذون بظاهر النصوص وحملها على الوجوب، ويوجبون الوضوء عند القيام لكل صلاة، لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} «فوجب بنص الآية ضرورة أن المرء إذا أراد صلاة فرض أو تطوع وقام إليها أن يتوضأ … » انظر: المحلى لابن حزم (١/ ٩٣)، المحلى بالآثار لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (ت ٤٥٦ هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت، وانظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٣/ ٢)، تحقيق: أحمد شاكر، الناشر: دار الآفاق، بيروت.