للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: كيف ينعقد النكاح بلفظ الهبة والفرقة يقع به إذا قال لامرأته وهبت نفسك لك كان بمنزلة لفظ الطّلاق (١).

فلو قلت: ثبت النكاح مجازًا كان اللّفظ مستعار (٢) الضدّ ما وضع له وهو باطل (٣) ولأنّ ملك الرّقبة متى ورد على ملك النكاح أفسده فكيف يفسد (٤) النكاح باللّفظ الذي هو مبطل للنكاح بموجبه.

قلت: أمّا الأوّل: فإنّه منقوض بلفظ التزوج فإن النّكاح ينعقد بلفظ التزوّج بالإتفاق مع أن ذلك اللّفظ لفظ تقع به الفرقة فإنّه إذا قال لامرأته تزوجي ونوى به الطّلاق تطلق علم به أن ذلك المعنى غير مانع.

وأمّا الثّاني: فإنّ ملك الرّقبة لا يفسد ملك المتعة من حيث أنّه يحرم امرأته عليه. ولكن من حيث أن في ملك الرقبة إبطال مالكيّة المرأة فإنّ للمنكوحة ضرب ملك على الزّوج في مواجب (٥) النكاح من طلب القسم (٦) وتقدير النّفقة (٧) والسّكنى والمنع عن العزل (٨) وغيرها فعند ورود ملك الرّقبة يصير الرّجل مالكًا محضاً ولأنّه (٩) مملوكة محضة ونحن لم نجعل الهبة كناية (١٠) عن النكاح إلا من حيث أنّه سبب لملك المتعة إذا ثبت حقيقة ومن هذا الوجه لا يبطل تحقيقه ملك الرّقبة فلم يكن بينهما منافاة فصلح للاستعارة إلى هذا أشارفي الْمَبْسُوطِ (١١) والأسرار (١٢).


(١) الطلاق: هو رفع القيد الثّابت شرعًا بالنّكاح. ينظر: كنز الدقائق (ص: ٢٦٩).
(٢) اللّفظ المستعار وهو المشبَّه به للدلالة به على غير معناه الموضوع له، وهو المشبَّه. ينظر: البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (ص: ٦٣٩).
(٣) الباطل هو الذي لا يكون صحيحا بأصله وما لا يعتد به ولا يفيد شيئا. ينظر: التعريفات (ص: ٦١).
(٤) وفي (ب): (يثبت).
(٥) في (ب): (موجب).
(٦) القسم بفتح القاف قسمة الزوج بيتوتته بالتسوية بين النساء. ينظر: التعريفات (ص: ٢٢٤)
(٧) النفقة شرعا هي الطعام والكسوة والسكنى. ينظر: الدر المختار (٣/ ٥٧٢).
(٨) العزل صرف المني عن المرأة خوف الحمل. ينظر: التعاريف (ص: ٥١٣). وحكمه الكراهة عند عامة العلماء ينظر: حاشية ابن عابدين (٣/ ١٧٥).
(٩) في (أ): (لأنّه)، وفي (ب): (والأمة).
(١٠) الكناية عند علماء البيان هي أن يعبر عن شيء لفظا كان أو معنى بلفظ غير صريح من الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإبهام على السامع نحو جاء فلان أو لنوع فصاحة نحو فلان كثير الرماد أي كثير القرى. ينظر: التعريفات (ص: ٢٤٠).
(١١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٠٨).
(١٢) كتاب الْأَسْرَارِ لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي، ينسب إلى دبوسية، وهي قرية بين بخارى وسمرقند، كان من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، برع في علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منهاهذا الْكِتَاب الْأَسْرَارِ وهو كبير جداً حقق منه كتاب المناسك في مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقوداً (٤٣٠ هـ). يُنْظَر: تاج التراجم (١/ ١٩٢).