للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنّه ليس بسبب لملك المتعة أي المتعة المخصوصة وهي الوطئ وقال أبو بكر الرازي-رحمه الله- (١): لا ينعقد النكاح بلفظ الإجارة لأنّ لفظ الإجارة يستعمل لملك المنفعة والمستحق بعقد النكاح في حكم الإجزاء كذا في الإيضاح (٢).

قوله: -رحمه الله- لما قلنا إشارة إلى قوله: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ (٣)، وذلك لأنّ لفظ الْإِجَارَة وَالْإِبَاحَة (٤) لا يوجب ملكًا أصلاً فإن من أحلّ لغيره طعامًا أو أباح له لا يملّكه فإنما يبلّغه على ملك المبيح لأنّها توجب الملك مضافاً إلى ما بعد الموت. ولو صرّح بلفظ النكاح مضافاً إلى ما بعد الموت لا يصحّ.

فإن قيل: الهبة أيضاً لا توجب الملك ما لم ينضم إليها القبض.

قلنا: الهبة لا توجب إضافة الملك ولكن لضعف في السّبب لتعدّمه عن العوض بتأخير الملك إلى أن يتقوى بالقبض وينعدم ذلك الضّعف إذا استعمل في النكاح لأنّ العوض يجب به بنفسه مع أنّ المملوك بالنكاح بنفس العقد يصير كالمقبوض.

ولهذا لو ماتت عقيب العقد بقدر البدل فكان هذا بمنزلة عين في يد الموهوب له فيوجب/ الملك بنفسه كذا في الْمَبْسُوطِ (٥) ولو أضاف العقد في الوصيّة (٦) إلى ما بعد الموت بأن قال أوصيت لك ببضع أمتي بعد موتي بألف درهم وقبل الآخر لا ينعقد النكاح وإن قال أوصيت لك ببضع أمتي للحال بألف درهم وقبل الآخر ينعقد النكاح كذا ذكره شيخ الإسلام (٧) رحمه الله وعن أبي الحسين (٨) أنّه لو قال أوصيت لك بابنتي فلانة (٩) ينعقد النكاح ولو قال أعطيتك مائة درهم على أن تكوني امرأتي فهو جائز إذا قبلت بمحضر من الشهود فإنّ النكاح ينعقد بلفظ الكون فإنّ من قال لامرأة كون امرأتي تمامه فقبلت بمحضر من الشهود صحّ كذا في (الذّخيرة) (١٠) و (الإيضاح) لقوله -عليه السلام-: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» (١١).


(١) أبو بكر الرازي: هو أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص، وسكن بغداد، وانتهت إليه رئاسة الحنفية، وسئل العمل بالقضاء فامتنع، ومن مصنفاته "أحكام القرآن"، وشرح "مختصر الطحاوي"، ولد سنة (٣٠٥ هـ)، ومات سنة (٣٧٠ هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٨٤)، تاج التراجم (١/ ٩٦)، الطبقات السنية (١/ ١٢٢ - ١٢٣)، الأعلام (١/ ١٧١).
(٢) كتاب الْإِيضَاحِ في شرح التجريد، لايزال مخطوط في ثلاث مجلدات مؤلفه عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن أميرويه، أبو الفضل الكرماني: فقيه حنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو سنة ٥٤٣ هـ. يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (٣/ ٣٢٧).
(٣) يُنْظَر: الهداية (٢/ ٤٦٠).
(٤) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ٥٨).
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٦١).
(٦) الوصية هي ما أوجبه الإنسان في ماله بعد موته أو في مرض موته. ينظر: البحر الرائق (٨/ ٤٥٩).
(٧) شيخ الإسلام: محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاري، المعروف ببكر خواهر زاده، أو خواهر زاده (٤٨٣ هـ): فقيه. كان شيخ الاحناف فيما وراء النهر. مولده ووفاته في بخارى. له (المبسوط) و (المختصر) و (التجنيس) ينظر: الأعلام للزركلي (٦/ ١٠٠).
(٨) أبو الحسين القدوري: هو أحمد بن مُحَمَّد بن جعفر بن حمدان الإمام المشهور، أبو الحسين بن أبي بكر الفقيه البغدادي المعروف بالقدوري، وكان ممن أنجب في الفقه لذكائه، انتهت إليه بالزعامة رئاسة أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ، وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه، ومات سنة (٤٢٨ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ٣٣٦)، تاج التراجم (١/ ٩٨)، الطبقات السنية (١/ ١٢٧)، الاعلام (٤/ ٣٢٩).
(٩) وفي (ب): (الآن).
(١٠) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٣/ ٨).
(١١) لم أجده بهذا اللفظ ولكن روي معناه في أحاديث فيها مقال عند أهل الحديث ورواه الترمذي باب ماجاء لا نكاح الا ببينة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس: لا نكاح إلا ببينة برقم (١١٠٤)، (٣/ ٤١١) وقال عنه حديث غير محفوظ.
قال الزيلعي في نصب الراية: غريب بهذا اللفظ اهـ. (٣/ ١٦٧)، وقال ابن حجر في الدراية لم أره بهذا اللفظ اهـ. (٢/ ٥٥)، وبلفظ «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل» رواه الشافعي (١/ ٢٢٠)، وعبدالرزاق (٦/ ١٩٥)، وأخرجه الدارقطني (٤/ ٣٢٢)، والطبراني (١٨/ ١٤٢)، وبلفظ: «البَغَايَا اللاَّتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» في مصنف با أبي شيبة (٣/ ٤٥٨)، والترمذي برقم (١١٠٣)، وصح موقوفا عن ابن عباس رضي الله عنهم قوله: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ». وقال الترمذي: (العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود).