للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر الإمام المحبوبي-رحمه الله- من المشايخ من قال لا اختلاف بينهم في الحاصل فإنّ أبا حينفة -رحمه الله- قال للزّوج أن يطأها بغير استبراء واجب ولم يقل لا يستحب ومُحَمَّد -رحمه الله- لم يقل هو أيضاً واجب.

ولكنّه قال لا أحب أن يطأها وعند زفر (١) -رحمه الله- لا يجوز للرّجل أن يتزوّجها حتّى تحيض ثلاث حيض بناء على أصله أنّه لا يجوز نكاح الزّانية بعد الزّنى إلا بعد أن تحيض ثلاث حيض؛ لأنّ العدة تجب عنده حلالاً كان أو حراماً قال الفقيه أبو الليث (٢) -رحمه الله- وهو قول مُحَمَّد -رحمه الله- أقرب إلى الاحتياط وبه نأخذ لأنّه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزّه يعني أن سبب الشّغل قد وجد وهو الوطئ ولو تحقّق الحمل حرم الوطئ كيلا يكون ساقياً ماؤه زرع غيره فإن احتمل وجب التنزّه صيانة لمائه عن الخلط كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (٣) لِقَاضِي خَانْ-رحمه الله-.

قوله: فوجب التنزّه أي ثبت لا الوجوب المصطلح بدليل قران قوله فيما قبله لا أحب أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ فلا يؤمر بالاستبراء لأنّ النكاح لم يشرع إلا على رحم فارغة فلما جاز النكاح [على الفراغ] (٤) علم الفراغ ولما علم الفراغ جاز الوطئ من غير استبراء.

فإن قيل: يشكل على هذه النكتة جواز نكاح الحبلى من الزنى وحرمة وطئها على قول أَبِي حَنِيفَةَ/ ومُحَمَّد -رحمهما الله- على ما مرّ فلم يدل هناك جواز النكاح على حلّ الوطء فكيف [دلّ] (٥) هنا (٦).

قلنا: هذا طرد لا نقص لما أنّ جواز النكاح ثابت في الصّورتين بالمقتضى وهو قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (٧) لكن الوطء هناك حرام لوجود الحمل حقيقة لئلا يكون الوطءساقياً زرع غيره فلم يدل جواز النكاح هناك على حلّ الوطء لوجود الحمل حقيقة.


(١) زفر: هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، من تميم، أبو الهذيل: الفقيه المجتهد، من أصحاب الإمام أَبِي حَنِيفَةَ. أصله من أصبهان. ولد سنة (١١٠ هـ). أقام بالبصرة وولي قضاءها ومات بهاسنة (١٥٨ هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٨/ ٣٨ - ٤٠)، الأعلام (٣/ ٤٥).
(٢) هو نصر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه أبو الليث المعروف بإمام الهدى، صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، صاحب كتاب "تنبيه الغافلين" وله كتاب "الفتاوى" (ت ٣٧٣ هـ).
ترجمته في: الجواهر المضية (٢/ ١٩٦)، سير أعلام النبلاء (١٦/ ٣٢٢)، تاج التراجم (٣/ ٥٤٤).
(٣) يُنْظَر: شرح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (١/ ١٧٩).
(٤) ساقط من (ب).
(٥) زيادة في (ب).
(٦) انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٣/ ٤٨).
(٧) سورة النساء من الآية: ٢٤.