للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم في نكاح المتعة خلاف مالك - رحمه الله- فإنّه يجوز عنده (١)، وهو الظّاهر من قول ابن عبّاس واستدلّ بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (٢).

ولأنا اتّفقنا أنّه كان مباحًا فإنّ النبي -عليه السلام- أحلّ المتعة ثلاثة أيام من الدّهر في غزاة غزاها اشتدّ على النّاس فيها العزوبه (٣)، والحكم الثابت يبقى حتى يظهر ناسخه.

ولكنّا نقول قد ثبت نسخ هذه الإباحة بالآثار المشهورة فمن ذلك ما روى مُحَمَّد بن الحنفيّة (٤) عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «أن منادي رسول الله -عليه السلام- نادى يوم خيبر أَلَا إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ» (٥).

ومنه حديث الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ -رضي الله عنه- (٦) قَالَ: «أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -عليه السلام- الْمُتْعَةَ عَامَ الْفَتْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجِئْتُ مَعَ عَمٍّ [لِي] (٧) إلَى بَابِ امْرَأَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَةٌ وكانت بُرْدَةُ عَمِّي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدَتِي فَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا دُمْيَةٌ عَيْطَاءُ فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَى شَبَابِي وَإِلَى بُرْدَتِهِ، وَقَالَتْ هَلَّا بُرْدَةٌ كَبُرْدَةِ هَذَا أَوْ شَبَابٌ كَشَبَابِ هَذَا ثُمَّ آثَرَتْ شَبَابِي عَلَى بُرْدَتِهِ فَبِتُّ عِنْدَهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ إذا منادي رسول الله -عليه السلام- يُنَادِي [أَلَّا] (٨) إنَّ اللَّهَ تَعَالَى - وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُم (٩) عَنْ الْمُتْعَةِ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْهَا» (١٠) ثم الإباحة المطلقة لم تثبت في المتعة قط.


(١) وأما نكاح المتعة فإنه وإن تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمه إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ففي بعض الروايات أنه حرمها يوم خيبر وفي بعضها يوم الفتح وفي بعضها في غزوة تبوك وفي بعضها في حجة الوداع وفي بعضها في عمرة القضاء وفي بعضها في عام أوطاس وأكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها واشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن ورووا أن ابن عباس كان يحتج لذلك لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وفي حرف عنه إلى أجل مسمى. أي: الأجل البعيد. يُنْظَر: بداية المجتهد كتاب النكاح (٢/ ٥٨).
(٢) سورة النساء من الآية: ٢٤.
(٣) رواه مسلم كتاب النكاح باب نكاح المتعة (٢/ ١٠٢٢) برقم (١٤٠٥).
(٤) مُحَمَّد بن الحنفية: هو مُحَمَّد بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي، أبو القاسم المعروف بابن الحنفية: أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام. وهو أخو الحسن والحسين، غير أن أمهما فاطمة الزهراء، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، يُنسب إليها تمييزا له عنهما. ولد سنة (٢١ هـ)، ومات سنة (٨١ هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٤/ ١١٠ - ١٣٠)، الأعلام (٦/ ٢٧٠).
(٥) رواه البخاري كتاب النكاح، باب نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نكاح المتعة (٧/ ١٢) برقم (٥١١٥)، ومسلم كتاب النكاح نكاح المتعة (٢/ ١٠٢٧) برقم (١٤٠٧).
(٦) الربيع بن سبرة: هو الربيع بن سبرة بن معبد، ويقال بن عوسجة الجهني المدني روى عن أبيه، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهما، وروى له مسلم.
يُنْظَر: الثقات (٤/ ٢٢٧)، تهذيب التهذيب (٣/ ٢٤٤).
(٧) زيادة من (ب).
(٨) زيادة من (ب).
(٩) وفي (ب): (ينهيانكم).
(١٠) رواه مسلم كتاب النكاح باب نكاح المتعة (٢/ ١٠٢٥) برقم (١٤٠٦).