للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشّافعي-رحمه الله- (١): هذه أبين آية في كتاب الله [نزل] (٢) على أن النكاح لا يجوز بغير ولي؛ لأنّه نهى الولي عن المنع وإنّما يتحقّق المنع منه إذا كان الممنوع في يده.

وفيه حديث عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبي -عليه السلام- قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ (٣) فَإِنْ أبى فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» (٤).

وأمّا من جواز النكاح بغير وليّ فاستدلّ بقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} (٥).

وقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٦)، وقوله تعالى: {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (٧) أضاف العقد إليهنّ في هذه الآيات فدلّ أنها تملك المباشرة، والمراد بالفصل المنع حساً بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوّج، أو هذا خطاب للأزواج فإنّه تعالى قال في أوّل الآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} (٨)، ونقول: أن من طلق امرأته وانقضت عدّتها وليس له أن يمنعها من التزوج بزوج آخر (٩)، وقال -عليه السلام-: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» (١٠) والأيم اسم لامرأة لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً هذا هو الصّحيح عند أهل اللغة (١١) وغيره من الأحاديث، وأن عائشة -رضي الله عنها- زوجت بنت أخيها عبد الرّحمن (١٢) من المنذر بن الزبير (١٣) وهو غائب فلما رجع قال: أو مثلي يفتات عليه في بناته؟ وقالت عائشة -رضي الله عنها- أو ترغب عن المنذر والله لتملكنّه أمرها وبهذا تبين أن ما رووا من حديث عائشة -رضي الله عنها- غير صحيح فإن فتي الرّاوي بخلاف الحديث دليل وهن الحديث، ومدار ذلك الحديث على الزهري - رحمه الله (١٤) - وأنكره الزّهري وجوّز النكاح بغير ولي ثم هو محمول على الأمة إذا زوجت نفسها بغير إذن مولاها أو على الصّغير أو على المجنونة (١٥).


(١) ينظر: الأم، للشافعي (٥/ ١٧٨).
(٢) في (ب): (تدل).
(٣) قال العلماء: الوكس الغش والبخس، وأما الشطط فهو الجور يقال شط الرجل وأشط واستشط إذا جار وأفرط وأبعد في مجاوزة الحد. شرح النووي على مسلم (١١/ ١٣٨).
(٤) رواه أحمد (٦/ ٦٦)، (١٦٦)، وأبو داود في النكاح، باب في الولي. حديث رقم (٢٠٦٩)، (٦/ ٩٨، ١٠٠)، والترمذي في النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي. حديث رقم (١١٠٢)، (٣/ ٣٩٨ - ٣٩٩)، وابن ماجه في النكاح، باب لا نكاح إلا بولي. حديث رقم (١٨٧٩)، (١/ ٦٠٥)، وهو في صحيح أبي داود (١٨٣٥)، وصحيح الترمذي (٨٨٠)، وصحيح ابن ماجه (١٥٢٤)، الإرواء (١٨٤٠)، المشكاة (١٣٣١) وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان، وغيرهم.
(٥) سورة البقرة من الآية: ٢٣٤.
(٦) سورة البقرة من الآية: ٢٣٠.
(٧) سورة البقرة من الآية: ٢٣٢.
(٨) سورة البقرة من الآية: ٢٣١.
(٩) انظر: تفسير الشافعي (٢/ ٥٧٩)، وتفسير السمعاني (١/ ٢٣٥).
(١٠) رواه مسلم كتاب النكاح، باب استئذان الثيب … (٢/ ١٠٣٧) برقم (١٤٢١)، أبو داود كتاب النكاح، باب في الثيب (٢/ ٢٣٢) برقم (٢٠٩٨) الترمذي كتاب ابواب النكاح، باب ما جاء في استئمار البكر (٣/ ٤١٦) برقم (١١٠٨)، النسائي كتاب النكاح، باب استئذان البكر (٢٧/ ٩٤) برقم (٣٢٦٠).
(١١) انظر: شرح النووي على مسلم (٧/ ٢٠٣)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (٧/ ٢٥٣)، لسان العرب، لابن منظور (٤/ ٨٦) مادة "أيم"، وتاج العروس (٣١/ ٢٥٥) مادة "أ ي م".
(١٢) عبدالرحمن: هو عبدالرحمن بن عبدالله أبي بكر الصديق ابن أبي قحافة القرشي التيمي: صحابي، ابن صحابي. كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فجعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبدالرحمن، و مات في مكة سنة (٥٣ هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٢/ ٤٧١)، الأعلام (٣/ ٣١١).
(١٣) المنذر بن الزبير: هو المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي: من وجوه قريش وشجعانهم في صدر الدولة الأموية. مات سنة (٧٣ هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٣/ ٣٨١)، الأعلام (٧/ ٢٩٣).
(١٤) الزهري: هو مُحَمَّد بن مسلم بن عبدالله بن شِهَاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب، من قريش، أبو بكر: أول من دون الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء. تابعي، من أهل المدينة. ولد سنة (٥٨ هـ)، ومات سنة (١٢٤ هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٥/ ٣٢٦)، الأعلام (٧/ ٩٧).
(١٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٢).