للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلنا ذلك لأنّ هذه المرأة ثيب حقيقة وشرعًا، أمّا حقيقة فظاهر؛ لأن وصيها يكون عائدًا إليها وأمّا شرعًا فإنّها تستحق من الوصية للثيب/ دون الوصية للإنكار والمسألة في (الْمَبْسُوطِ) (١) و (الأسرار).

قلت: العلّة إذا كانت منصوصة كان عملها في تعميم الحكم مثل سائر المنصوصات وهذا كذلك فإنّ عائشة -رضي الله عنها- لما أخبرت أنّ البكر تستحي حينئذ قال -عليه السلام-: «سُكُوتُهَا رِضَاهَا» (٢) فجعل السّكوت رضا لعلّة الحياء؛ لا لأنّها بكر فيدور الحكم أينما دارت العلّة وحياء التي زنت [مرة] (٣) في خفية أكثر من حياء البكر من الرغبة في النكاح.

فإن قلت: بين الحيائين فرق فإن حياء هذه حياء معصية فإنها لما لم تستحي عن إظهار الرّغبة في الرّجال على أفحش الوجوب فكيف تستحيي من الرغبة على أحسن الوجوه.

بخلاف حياء البكر فإنّها حياء كرم الطّبيعة وذلك أمر محمود فلا يتقاسان.

قلت: هذا الاستحياء منها أيضاً محمود؛ لأنها تستر على نفسها وقد أمرت بذلك قال -عليه السلام-: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا. فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ» (٤) مع أن علّة الحياء ههنا أكثر من الحياء في البكر فإنّها وإن ابتليت بالزّنى مرة لفرط السّبق وأكرهت على الزّنى لا ينعدم حياؤها بل يزداد لأن في الاستنطاق باعتبار أنّها ثبت ظهور فاحشتها وإشاعة الفاحشة منهيّ عنها قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} (٥).

فلا يجوز إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ (٦) لأنّ الشّرع ما [أظهره] (٧) عليهاحيث علّق به أحكاماً وهي إلزام العدة والمهر وإثبات النسب وههنا الشّرع ما أظهر عليها حيث لم يعلق به شيئاً من الأحكام وأمرها بالستر على نفسها حتّى لو أشتهر حالها بأن أقيم عليها الحد أوصار الزّنى عادة لها، لا يكتفى بسكوتها وهو الصّحيح كذا في الْمَبْسُوطِ (٨).


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٧).
(٢) رواه البخاري كتاب النكاح باب لا ينكح الأب وغيره البكر أو الثيب الا برضاها (٧/ ١٧) برقم (٥١٣٧) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يارسول الله إن البكر تستحي قال "رضاها صمتها"، ومسلم كتاب النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (٢/ ١٠٣٦) برقم (١٤٢٠).
(٣) زيادة من (ب).
(٤) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٨٢٥) من حديث زيد بن أسلم مرسلًا رقم (١٥٠٨) ومن طريق مالك أخرجه الشافعي وعنه البيهقى (٨/ ٣٢٦) وقال: (قال الشافعي: هذا حديث منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به فنحن نقول به)، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا (٧٨/ ١١/ ١).
(٥) سورة النور من الآية: ١٩.
(٦) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٧).
(٧) وفي (ب): (اظهر).
(٨) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٨).