للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: يجب أن يكتفى بسكوتها في هاتين الصورتين أيضاً لأنّها داخلة تحت اسم البكر في لسان الشّرع وهو قوله -عليه السلام-: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ» (١).

قلت: هو قول بعض المشايخ (٢) وهو ضعيف فإنّ في الموطوءة بالشبهة والنكاح الفاسد هذا موجود أيضاً ولا يكتفي بسكوتها بالإجماع فعرفنا أنّ المعتبر بقاء صيغة الحياء وإنّما [لا] (٣) ترجم لانعدام شرط الإحصان وهو دخول الزّوج بها بنكاح صحيح إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ (٤) لأنّ السّكوت أصل لأنّه عبارة عن عدم الكلام والعدم أصل وكان الردّ عارضاً لأنّ الردّ إنما يكون بالكلام والكلام عارض فكان الردّ عارضاً أيضاً كالمشروط له الخيار إذا ادّعى الرد بعد مضي المدة أي لا يعتبر قول من يدّعي الردّ بل القول قول من يدعي لزوم العقد بالسّكوت بالإجماع لأنّ السكوت هو الأصل والردّ عارض فكان القول قول من يدعي السكوت.

فكذلك ههنا يجب أن يكون القول قول من يدّعي السّكوت وهو الزوج وكذلك الشّفيع مع المشتري إذا اختلفا فقال الشّفيع علمت بالبيع أمس فطلبت الشفعة وقال المشتري بل سكت فالقول قول المشتري لتمسكه بما هو الأصل كذا هنا ولكنّا نقول الزوج يدّعي تملك بضعها وهذا ملك حادث وهو ينكر ثبوت ملكه عليها فكانت هي المتمسكة بالأصل معنى فالقول قولها.

وحاصله أن القول قول المنكر بلا خلاف بيننا وبين زفر-رحمه الله- لكن الخلاف في معرفة المنكر وهو يعتبر الإنكار الصّوري في المواضع كلّها كما في الوديعة وغيرها ونحن نعتبر الإنكار المعنوي لأنّه هو المقصود.

وذكر في الْمَبْسُوطِ (٥) والمسألة في الحقيقة بناء على مسألة أخرى وهي أنّه إذا قال لعبده إن لم تدخل الدّار اليوم فأنت حرّ فمضى اليوم وقال العبد لم أدخل وقال المولى قد دخلت فعند زفر -رحمه الله- القول قول العبد لتمسّكه بما هو الأصل وعندنا القول قول المولى؛ لأنّ حاجة العبد إلى إثبات الاستحقاق، والظّاهر لهذا لا يكفي؛ لأنّ عدم الدّخول شرط العتق فلا يكفي ثبوت الشّرط بطريق الظّاهر فكذلك ههنا رضاها شرط؛ لثبوت النكاح والظّاهر لا يكفي لذلك.


(١) رواه مسلم كتاب الحدود باب حد الزاني (٣/ ١٣١٦) برقم (١٦٩٠)، وأبو داود كتاب الحدود: باب في الرجم (٤/ ١٤٤) برقم (٤٤١٥)، والترمذي كتاب الحدود: باب الرجم على الثيب، (٤/ ٤١) حديث رقم (١٤٣٤).
(٢) المشايخ: اصطلاح عند الحنفية يقصدون به العلماء الذين لم يدركوا أبا حنيفة من مذهبه، وهو مصطلح عام لدى علماء الحنفية، وقد يخرج بعضهم عنه، كصاحب الهداية حيث يريد بقوله: "مشايخنا" علماء وراء النهر من بخارى وسمرقند. قال ابن عابدين: "وأما المشايخ ففي وقف النهر عن العلامة قاسم أن المراد بهم في الاصطلاح من لم يدرك الإمام". الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)، (٤/ ٤٩٥).
(٣) زيادة من (ب).
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٥).
(٥) يُنْظَر: المرجع السابق نفسه.