للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمّا الشّفيع إذا قال: طلبت حين علمت فالقول قوله وإن قال علمت أمس بالبيع فطلبت أمس وقال المشتري لا بل طلبت الآن فالقول قول المشتري لأن حاجة المشتري إلى دفع استحقاق الشّفيع والظّاهر يكفي لدفع الاستحقاق وكذلك في باب البيع فإن سبب لزوم العقد وهو مضي مدّة الخيار قد ظهر بحاجة الآخر إلى دفع استحقاق مدّة الفسخ والظاهر يكفي/ لذلك فإن أقام الزّوج البيّنة على سكوتها وثبت النكاح (١).

فإن قلت: هذه شهادة قامت على النّفي لما ذكرت أن السّكوت عبارة عن عدم الكلام والشّهادة على النّفي غير مقبولة.

قلت: لا نسلّم مطلق هذه الدّعوى فإنّ الشّهادة على النّفي مقبولة فيما إذا كان علم الشّاهد محيطًا به (٢) كما إذا ادّعى الزّوج أني قلت قول النّصارى فيما إذا ادّعت المرأة أنّه قال عزير ابن الله ثم ادّعت المرأة [فيما قال] (٣) لم يقل قول النّصارى وأقامت على ذلك بيّنة حيث يقبل ويفرق بينهما لما أنّه لو قاله لسمعه الشّهود فكذلك ههنا أو نقول بل السّكوت أمر وجودي وهو ضمّ الشّفتين فيلزم منه عدم الكلام فكان السّكوت من لوازمه فحينئذ لا تكون الشّهادة على النّفي وذكر الإمام التمرتاشي-رحمه الله- (٤) فإن أقاما البيّنة فبيّنتها أولى لأنّها تثبت الرد وهو يثبت عدمًا وهو السّكوت لا جرم لو أقامها على أنّها أجازت أو رضيت حين علمت حتّى استويا في الإثبات ترجّحت بينتة لإثبات اللّزوم.

ويجوز نكاح الصّغير والصّغيرة إذا زوّجهما الولي إلى آخره.

وقال ابن شبرمة (٥)، وأبو بكر الاصم (٦) - رحمهما الله- أنّه لا يزوّج الصّغير والصّغيرة أحد حتى يبلغا لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} (٧) فلو جاز التّزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا معنى ولأنّ ثبوت الولاية على الصّغير لحاجة المولى عليه حتّى أن فيما لا يتحقّق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات ولا حاجة بهما إلى النكاح لأنّ مقصود النكاح طبعًا هو قضاء الشّهوة وشرعًا هو النّسل والصّغير ينافيهما وحجتنا قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (٨) بيّن الله تعالى عدة الصّغيرة وسبب العدة شرعًا هو النكاح فذلك دليل [قصور] (٩) نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} (١٠) الاحتلام وحديث عائشة -رضي الله عنها- وهو أنّ النبي -عليه السلام- تزوّجها وهي صغيرة ابنة ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين نص في الجواز (١١) وكذلك سائر ما ذكره من الآثار فإن قدامة ابن مظعون (١٢) -رضي الله عنه- تزوج ابنة الزبير -رضي الله عنه- يوم ولدت وقال: إن مت فهي خير ورثتي وإن عشت فهي ابنة الزّبير والمعنى أن النكاح يشتمل على الأغراض والمقاصد فلا يحصل ذلك إلا بين الأكفاء والكفو لا يتفق في كلّ وقت فكانت الحاجة ماسّة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها لأنّه لو انتظر بلوغها يفوت ذلك الكفو ولما كان هذا العقد بعقد للعمر فيتحقّق الحاجة فيه إلى ما هو من مقاصد هذا العقد جعلت تلك الحاجة كالمتحقّقة للحال لإثبات الولاية كذا في الْمَبْسُوطِ (١٣).


(١) انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٣/ ١٢٦).
(٢) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص ٢٧١).
(٣) في (ب): (أنه).
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٢٧٣).
(٥) ابن شبرمة: هو عبدالله بن شبرمة أبو شبرمة الكوفي قاضيها وهو من فقهاء أهل العراق ولد سنة (٧٢ هـ) ومات سنة (١٤٤ هـ).
يُنْظَر: لسان الميزان (٧/ ٤٩٦)، تهذيب التهذيب (٥/ ٢٥٠).
(٦) أبو بكر الأصم: هو عبد الرحمن بن كيسان، ابو بكر الأصم. فقيه معتزلي مفسر، ومات ستة (٢٢٥ هـ).
يُنْظَر: لسان الميزان (٣/ ٤٢٧)، الأعلام (٣/ ٣٢٣).
(٧) سورة النساء من الآية: ٦.
(٨) سورة الطلاق من الآية: ٤.
(٩) وفي (ب): (تصور).
(١٠) سورة النساء من الآية: ٦.
(١١) رواه البخاري كتاب مناقب الأنصار باب تزويج النبي -صلى الله عليه وسلم- (٧/ ١٧) برقم (٥١٣٣)، ومسلم كتاب النكاح باب تزويج الأب البكر الصغيرة (٢/ ١٠٣٩) برقم (١٤٢٢).
(١٢) قدامة بن مظعون: هو قدامة بن مظعون بن حبيب الجمحيّ القرشي: صحابي، كان أحد السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا، ومات سنة (٣٦ هـ). يُنْظَر: الاصابة (٥/ ٣٢)، الأعلام (٥/ ١٩١).
(١٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ٢١٣).