للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: تأويل الأحاديث فيما يعجله لها باليد.

ألا ترى أنّه أمر ذلك الرّجل بالالتماس والصّداق يمكن إثباته في الذمّة (١) فعرفنا أنّ المراد ما يعجله لها باليد وذلك غير مقدر عندنا.

وأما تقييد الآية بمال مقدر فقد عرفنا بإشارة النصّ (٢) وهي قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} (٣) معناه ما قدّرنا فإنّ الغرض عبارة عن التقدير وخبر الواحد ورد مفسراً لذلك التّقدير المجهول الذي ثبت بالكتاب وهذا لأنّ كل مال أوجبه الشّرع تولى بيان مقداره كالزكوات وغيرها.

فكذلك الصّداق ممّا أوجبه الشّرع عرف بقوله ما فرضنا فيكون مقدراً شرعًا كذا في (الْمَبْسُوطِ) (٤) أو كان معنى قوله فهو مهر أي بعض المهر فإنّ الدّرهم من المهر وفائدة ذكره أنّه لا يجب مهر المثل عند ذكر الدّرهم وبه نقول لأنّ تسمية ما لا يصلح مهراً شرعًا كانعدامه كما في تسمية الخمر والخنزير فما ذكره زفر-رحمه الله- قياس وما ذكرناه استحسان وللاستحسان وجهان:


(١) الذِّمَّة: فِي اللُّغَة الْعَهْد وَإِنَّمَا سمي ذمَّة لِأَن نقضه يُوجب الذَّم. وَعند الْبَعْض وصف. وَعند الْبَعْض ذَات فَمن جعلهَا وَصفا عرفهَا بِأَنَّهَا وصف يصير بِهِ الشَّخْص أَهلا لإِيجَاب مَاله وَمَا عَلَيْهِ. وَمن جعلهَا ذاتا عرفهَا بِأَنَّهَا نفس لَهَا عهد فَإِن الْإِنْسَان يُولد وَله ذمَّة صَالِحَة للْوُجُوب لَهُ وَعَلِيهِ عِنْد الْفُقَهَاء بِخِلَاف سَائِر الْحَيَوَانَات وَفِي جَامع الرموز فِي كتاب الْكفَالَة الذِّمَّة لُغَة الْعَهْد وَشرعا مَحل عهد جرى بَينه وَبَين الله تَعَالَى يَوْم الْمِيثَاق أَو وصف صَار بِهِ الْإِنْسَان مُكَلّف. فالذمة كالسبب وَالْعقل كالشرط ثمَّ استعير على الْقَوْلَيْنِ للنَّفس والذات بعلاقة الْجُزْئِيَّة والحلول فَقَوْلهم وَجب فِي ذمَّته أَي على نَفسه. انظر: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (٢/ ٨٩).
(٢) المراد بما يفهم من إشارة النص المعنى الذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه ولا يقصد من سياقه ولكنه معنى لازم للمعنى لازم للمعنى المتبادر من ألفاظه، فهو مدلول اللفظ بطريق الالتزام. ولكنه معنى إلتزامياً وغير مقصود من السياق كانت دلالة النص عليه بالإشارة لا بالعبارة. وقد يكون وجه التلازم ظاهراً، وقد يكون خفيا، ولهذا قالوا: إن ما يشير غليه النص قد يحتاج فهمه إلى دقة نظر ومزيد تفكير، وقد يفهم بأدنى تأمل. فدلالة الإشارة هي دلالة النص عن معنى لازم لما يفهم من عبارته غير مقصود من سياقه؛ يحتاج فهمه إلى فضل تأمل أو أدناه، حسب ظهور وجه التلازم وخفائه. علم أصول الفقه، لعبدالوهاب خلاف (ص ١٤٥).
(٣) سورة الأحزاب من الآية: ٥٠.
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٨١).