للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: ففي هذا وجوه من السؤال:

أحدها: أن ههنا ليس أوان القياس إذ فيه نصّ ظاهر ولا وجود لقياس واحد مع وجود النصّ على مخالفة النص فصلاً عن الأقيسة

والثّاني: أنّ التّعارض إذا ثبت بين الحجّتين إنّما يصار إلى ما بعدهما من الحجّة لا إلى ما قبلهما حيث يرجع إلى السنّة عند معارضة الآيتين لما عرف وانعكس ههنا.

والثّالث: أن المعارضة في الحقيقة لا تثبت بين القياسين لفقد شرطها لما عرف في أصول الفقه لشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ -رحمه الله- (١) ولئن تثبت صورة فلا يتركان بل يعمل المجتهد بأيّهما كان بشهادة قلبه.

قلت: أمّا الجواب عن الأوّل فقد ذكر الأستاذ -رحمه الله- هذا نص دخل فيه الخصوص فإنّه إذا سمّى الخمر أو الخنزير في العقد ثم طلّقها قبل الدخول لا يجب نصف المفروض وإذا ثبت الخصوص فيه جاز أن يعارضه القياس وهو أن لا يجب عليه شيء لعود المعقود إليها سالمًا كما في إقالة البيع ثم يقول القياسان متعارضان صورة فلم يثبت الخصوص وإذا لم يثبت الخصوص بالقياس يجب عليه نصف المسمّى عملاً بالنصّ والأوجه فيه أن يقال ذكر معارضة القياسين أو الأقيسة ههنا لا لإثبات الحكم بهما أو بأحدهما بل لبيان أنّ العمل [بهما غير ممكن لتعارضهما في انفسهما ولمخالفتة كل منهما النص فصار كأنه قال فوجب علينا العمل] (٢).

بظاهر قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ} (٣) من غير رجوع إلى القياس والمعقول فإنا لو خلّينا [ومجرد] (٤) القياس وعملنا به على وجه الفرض والتقدير وإن لم يكن أوان العمل بالقياس من غير نظر إلى النصّ يلزم ترك أخذ [أحد] (٥) القياسين فتركناهما جميعًا.

فعملنا بالنصّ وبهذا خرج الجواب عن الأسولة كلّها فإنّه لما لم تكن المعارضة على حقيقتها بل هذا قول على وجه الفرض والتقدير لا يرد فيه ما يرد في التعارض وهذا كما قيل في نجاسة البئر وتقرير نزحها بالسنّة بحسب قدر الواقع منها أن في أحكام البئر اتباعاً للآثار وتمسكًا بالسنن وإلا فيها قياسان متعارضان أحدهما يقتضي أن لا ينجس البئر أصلاً كما روي عن مُحَمَّد -رحمه الله- أنّه قال اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف أنّ ماء البئر في حكم الماء الجاري لأنّه ينبع من أسفلها ويؤخذ من أعلاها فلا يتنجّس بوقوع النّجاسة أو تطم طمّاً ويحفر في موضع آخر كما قاله بشر لأنّه وإن نزح ما فيها من الماء تبقى الطّين والحجارة نجساً [ولكن] (٦) لما كان القياسان مخالفين للآثار المشهورة والسنن المستفيضة بتقدير النّزح بحسب تقدير الواقع لم يعمل بهما لعدم أوانهما لأن أوان القياس هو بعد الكتاب والسنّة والسنّة موجودة ههنا.


(١) يُنْظَر: أصول السرخسي (٢/ ١٥ - ١٨).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) سورة البقرة من الآية: ٢٣٧.
(٤) زيادة من (ب).
(٥) زيادة من (ب).
(٦) زيادة من (ب).