للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا إذْ لَوْلاهَا لاسْتَوْعَبَتْ الْوَظِيفَةُ الْكُلَّ، وَفِي بَابِ الصَّوْمِ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا إذْ الاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الإمْسَاكِ سَاعَةً، وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ هُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْهُ الْكَاعِبُ)

-قوله: «ولنا أن هذه الغاية لإسقاط ما وراءها» إلى آخره. والأصل في هذا أن الغاية قد تذكر لمة (١) الحكم إليها، وقد يذكر لقصر الحكم عما وراءها، وإنما يتبين ذلك بالنظر في صدر الكلام إن كان صدر الكلام لا يتناول الغاية وما وراءها لو اقتصر على ذلك الصدر يعلم أن ذكر الغاية لإثبات الحكم ومده إليها فيجعل غاية للإثبات فلا تدخل تحت الإثبات، ومتى كان صدر الكلام يتناول الغاية وما وراءها لو اقتصر عليه يعلم أن ذكر الغاية لقصر الحكم عليه فيجعل غاية الإسقاط في معنى الاستثناء فبقي الحكم الأولي ثابتًا في الغاية يصدر الكلام كأنه لم يذكر الغاية، والذي نحن فيه من قبيل هذا؛ لأن قوله تعالى: {وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: ٤٣] تتناول كل اليد من رؤوس الأصابع إلى الإبط، فصار ذكر المرفق بحرف الغاية لإخراج ما وراء المرفق من أن يكون داخلا تحت حكم الإسقاط فبقي حكم الغسل ثابتًا في المرفق بصدر الكلام.

وأما الصوم فهو من قبيل الأول؛ لأنه يتناول الإمساك ساعة، لغةً، وشرعًا، حتى لو حلف لا يصوم فصام ساعةً حنث، فلا يدخل محل الغاية تحت حكم المصدر؛ لأن هذه الغاية لمد الحكم لما قلنا.

فإن قيل: دعوى غاية الإسقاط إنما تصح أن لو [كانت] (٢) الغاية غاية لليد بل [هو] (٣) غاية غسل اليد؛ لأن المأمور به مقصودًا هو الغسل، والغاية تكون لبيان المأمور به، ولأن المقصود من الكلام هو الفعل لا محل الفعل؛ لأنه تبع، ولأن ذكر اليد وإرادة الكف غالب في الشرع وفي العرف، أما الشرع فكآية السرقة (٤)، وأما العرف فإنه إذا قيل عند الطعام: اغسل يدك، أو غسل فلان يده لا يراد بها إلا الكف فلا يثبت الزيادة عليها إلا بذكر الغاية، فحينئذٍ كانت هذه الغاية غاية مد الحكم كما في الصوم.

قلنا: دعوى غاية مَدَّ الغَسِّلْ ساقطة أيضًا بفهم الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك إلى الآباط في آية التيمم (٥) في الماء ابتداءً وهم أهل لسان فكان ذكر الغاية لإخراج ما وراءها، فتبقى المرافق داخلة كما ذكرنا، أو لما اشتبهت حال هذه الغاية باعتبار أن من الغايات ما يدخل ويكون حرفًا فيه بمعنى مع، كما قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢]، ومن الغايات ما لا يدخل وهو ظاهر كان هذا مجملاً في كتاب الله تعالى فينبه نبيه -عليه السلام- بفعله فإنه توضأ وأدار الماء على مرافقه (٦) ولم ينقل عنه ترك غسل المرافق في شيء من الوضوء، فلو كان ذلك


(١) أي: رد الحكم إليها، قال في مختار الصحاح (١/ ٢٨٥) مادة [ل م م] (لَمَّ) الله شَعثَهُ أي: أصلح وجمع ما تفرق من أموره وبابُهُ رد.
(٢) في (ب): «كان».
(٣) في (ب): «هي».
(٤) وهي قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: ٣٨].
(٥) وهي قول الله تعالى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣]، وقول الله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ بِرُءُوسِكُمْ بِرُءُوسِكُمْ} الآية.
(٦) هذا الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذَا تَوضَّأ أدَارَ الماءَ عَلَى مِرفَقَيْهِ» أخرجه الدراقطني في سننه (١/ ١٤٢) في باب وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وابن الجوزي، والمنذري، وابن الصلاح، والنووي، وابن الحجر-رحمهم الله-. انظر: سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدارقطني (ت/ ٣٨٥ هـ). تحقيق/ شعيب الأرنؤوط، وحسن عبد المنعم شلبي، وعبد اللطيف حرز الله أحمد الله أحمد برهوم. الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى ١٤٢٤ هـ-٢٠٠٤ م.