للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلاف النكاح وإلى هذا المعنى أشار بقوله إلا إذا صحّ النكاح وجب الدّين بسبب لا مرد له إلى هذا أشار الإمام التمرتاشي-رحمه الله- فشابه دين الاستهلاك أي [اذا] (١) استهلك العبد مال الغير وذلك الغير أسوة للغرماء ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها، يقال: وبوَّأت للرجل منزلاً وبوّأته منزلاً بمعنى، أي هيأته ومكنت له فيه. كذا في الصّحاح (٢)، وذكر الإمام التمرتاشي-رحمه الله- التبوئه هي: أن يخلي بينها وبينه ولا يستخدمها وإن كانت تجيء وتخدم المولى بلا استخدامه فلها النفقة.

فإن قيل: ينبغي أن يجب على المولى التبوئة؛ لأنّ التبوئة من باب التّسليم والتّسليم واجب على المولى.

قلنا: التبوئة أمر زائد على التّسليم؛ لأنّ التسليم يتحقّق بدون التبوئه بأن يقال له متى ظفرت بها وطئتها فلا تجب عليه التبوئه وإذا بقي حقّه في الاستخدام وأنه أمر مستدام فقد ثبت للزوج حق الاستمتاع بالوطئ أيضاً لكن الحاجة إليه تقع أحيانًا فلا يجوز الإنتزاع من يد المولى لأجل حاجة تقع أحيانًا كذا في مبسوط (٣) فخر الإسلام، ولو بوأها بيتاً.

ثم بدا له أن يستخدمها له ذلك ولم يذكر أنّه هل تسقط النّفقة بالاستخدام بعد وجوبها بالتبوئه أم لا ذكر الإمام المحبوبي-رحمه الله- أنّها تسقط وإليه أشار في الكتاب بقوله لأنّ النّفقة تقابل الاحتباس وإنّما قلنا أنها تسقط لأنّ المولى أزال ما به كان تجب نفقتها عليه فكانت كالحرّ الناشزة.

فإن قيل: إنّما زال ذلك لحق له فإن حق المولى باق في استخدامها بعد التزوّج فينبغي أن لا تسقط النفقة كالحرّة إذا حبست نفسها لاستيفاء الصداق.

قلنا: الحرة إذا حبست نفسها لاستيفاء صداقها فالتّفويت إنّما جاء من قبل الزوج حين امتنع من إيفاء ما التزم وههنا التفويت ليس من جهة الزوج بل من جهة من له الحق وهو المولى لشغله إياها بخدمة نفسه فلهذا لم يكن لها النفقة كما في المحبوسة بالدّين فإنّه لا نفقة لها فكذلك ههنا ولو استخدمها الولى ثم أعادها إلى بيت الزّوج فلها النفقة كالحرة إذا هربت من زوجها ثم عادت إلى بيته وكالمحبوسة بالدّين إذا قضت الدّين وعادت إلى بيت زوجها فلها النّفقة.

وكذلك لو خرجت حاجة تسقط نفقتها فإذا عادت إلى بيت زوجها تكون لها النّفقة فإن جاءت الأمة بولد من الزّوج فلا نفقة عليه للولد لأنّ ولد الأب مملوك لمولاها فنفقته تكون على مالكه وإن كانت مكاتبة وقد بوأها معه أو لم يبوّئها فلها النفقة لأنّها في يد نفسها كالحرّة وليس لمولاها أن يستخدمها فصارت كالحرّة في استحقاق النّفقة على الزّوج إذا لم تكن ظالمة في حبس نفسها منه كذا ذكره الإمام المحبوبي-رحمه الله-.


(١) زيادة من (ب).
(٢) يُنْظَر: الصحاح (١/ ٣٧).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٩٢).