للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعند الشّافعي -رحمه الله- (١) لا اختيار للعبد؛ لأن مايتناوله النكاح من العبد غير مملوك للمولى عليه فتصرفه فيما لا يملكه من عبده كتصرف الأجنبي.

ألا ترى أنّه لا يملك عليه الإقرار بالقصاص كالأجنبي ولا يملك أن يطلق امرأة العبد لأنّها غير مملوكة للمولى يوضحه أن تزويجه بغير رضاه لا يفيد مقصود النكاح لأنّ الطّلاق بيد العبد فيطلقا من ساعته.

لكنا نستدل بقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} (٢) وإباء عقد المولى شيء فلا يقدر العبد عليه ولأنّه مملوك على الإطلاق فيملك إنكاحه بغير رضاه كالأمة وهذا لأنّ في الأمة إنّما ينفذ عقد المولى [عليها] (٣) بملكه رقبتها لا بملكه ما يملك بالنكاح فإن ولاية التّزويج لا يستدعي ملك ما يملك بالنكاح طردًا وعكساً وجودًا وعدمًا.

ألا ترى أنّ الولي تزوج الصّغيرة ولا يملك عليها ما يملك [العبد] (٤) بالنكاح والزوج لا يزوّج امرأته وهو مالك عليها ما يملك بالنكاح وهذا موجود في جانب العبد بل أولى لأن في تزويج الأمة ينظر لنفسه وفي تزويج العبد ينظر للعبد وما قال أنه غير مملوك للمولى عليه فاسد لأنّ العبد لا يستبد بالنكاح بالاتفاق وما لا يملكه المولى من عبده فالعبد فيه يبقى على أصل الحرية فيستبد به وإن كان فيه ضرر المولى كالإقرار [بالقصاص وإيقاع الطّلاق على زوجته وقوله إنه يطلقها من ساعته فكان النكاح غير مفيد قلنا موجب النكاح الحلّ، وكذلك يحصل بالنكاح إلى أن يرتفع بالطّلاق، والظّاهر أن صحة المولى تمنعه من الطّلاق. كذا في الْمَبْسُوطِ (٥)، وأمّا عدم ملكية طلاق امرأة عنده لما أنّ إزالة الحل لمن وقع له الحلّ فالحلّ واقع للعبد وكان الدفع له أيضاً لأنّهما التحق بالإحراز تصرفاً فيشترط رضاهما وعن هذا استخرجت المسألة اللطيفة وهي أنّ المولى إذا زوج مكاتبته الصّغيرة توقف النكاح على إجازتها لأنّها ملحقة بالبالغة فيما يبتنى على الكتابة ثم أنّها لو لم ترد حتّى أدت فعتقت بقي النكاح موقوفاً على إجازة المولى لا على إجازتها لأنّها بعد العتق لم يبق مكاتبة وهي صغيرة والصّغيرة ليست من أهل الإجازة وهذه من ألطف المسائل وأعجبها حيث اعتبر إجازة المكاتبة في حال رقبتها ولم يعتبر في حالة العتق لما ذكرنا من الفرق كذا ذكرها في الخلاصة محالة إلى المحيط لأن المقتول ميّت بأجله فصار كما إذا قتلها أجنبي أو قتلت الأمة نفسها أو قتلت الحرّة نفسها أو قتل المولى زوجها والدّليل على أنّ القتل موت ما لو خرجها المولى ثم أعتقها فاكتسبت مالاً ثم مات من تلك الجراحة فإن الزّوج يرثها ولو مات الزّوج قبلها ورثته أيضاً والتّوريث إنّما يكون عند انتهاء النكاح بالموت فتبين به أن النكاح بذلك لم ينفسخ وسقوط المهر من حكم انفساخ النكاح وله أنّه منع المبدل قبل التّسليم فيجازى بمنع البدل كما إذا ارتدت الحرة قبل الدخول أو قبلت ابن زوجها فإن قبل الصغيرة المنكوحة إذا ارتضعت من أم زوجها أو المجنونة إذا قبلت ابن زوجها بشهوة قبل الدخول حق ثانياً منه لا يسقط المهر وإن منعنا المبدل قبل التّسليم.


(١) يُنْظَر: تكملة المجموع شرح المهذب (٧/ ٢٨٦).
(٢) سورة النحل من الآية: ٧٥.
(٣) زيادة من (ب).
(٤) ساقط من (ب).
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١١٤).