للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: أن منع البدل من مانع المعقود عليه وجب بطريق المجاراة لا بطريق الجبر لأن ملك النكاح لا يضمن بالإتلاف فيكون منع البدل أيضاً بطريق المجاراة تحقيق للمساواة الواجبة فعقد المعاوضة وهما ليستا من أهل [المجازاة] بخلاف المولى من أهل المجازاة.

ألا ترى أنّه يجب عليه الكفارة حتّى لو كان المولى صبياً يجب أن لا يسقط المهر عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله-.

فإن قيل: أليس أنّ الصّغيرة العاقلة إذا ارتدت تجازى بسقوط المهر إن كان قبل الدخول بها فعند جعلت الصّغيرة من أهل المجاراة.

قلنا: إنها لا تجازى على أفعال لا تكون محظورة في حقّها والردة محظورة من الصبية العاقلة بدليل أنّها تحرم عن الميراث بسبب الردة وتسميات بالحبس ولأن القتل يحل في بعض المواضع والردّة لا تحلّ في موضع ما فلا يلزم من خطر الردة خطر القتل في حقها والقتل في حق أحكام الدنيا جعل إتلافاً هذا جواب عن قولهما بأن المقتول ميّت بأجله حتى وجب القصاص والدية والكفارة وحرمان الإرث فكذلك في حقّ المهر اعتبر فعله فجعل بيعًا للمبدل وإن كان المقتول ميتًا بأجله.

ألا ترى أن من ذبح شاة إنسان بغير أمره يكون ضامنًا له وباعتبار الموت هو محسن إلى صاحب الشاة فيما ضيغه لأنّه غير متلف عليه شيئاً حيث حلّ أكلها وعلى تقدير الموت لا يحلّ يوضحه أن المولى لو عيّب أمته لم يكن له أن يطالب الزّوج بصداقها مع ولايته فيه شرعياً فإذا أتلفها أولى أن لا يكون له أن يطالب بصداقها أمّا قوله كما إذا قتلها أجنبي قلنا هناك لم يوجد منع المبدل ممن له البدل بخلاف ما نحن فيه.

وكذلك إن قتلت هي نفسها لأن ذلك هدر في حق أحكام الدنيا فاعتبر موتًا.

وأما مسألة صرّح المولى قلنا إنما اعتبرناه موتًا في حق الزّوج لأن الزوج ليس بقاتل والقتل في حق غير القاتل موت هذا كله من الْمَبْسُوطِ (١) والفوائد الظهيريّة وجامع الإمام التمرتاشي.

فإن قلت: ما فائدة تخصيص الحرة في قوله كما إذا ارتدت الحرة وفي تحقيق الارتداد لا تتفاوت الحرة والأمة.

قلت: يتفاوتان في حكم الارتداد وإن لم يتفاوتا في تحققه فإنّ الحرّة إذا ارتدت قبل الدّخول بها يسقط المهر رواية واحدة من غير تردد فيه كما ذكر وأمّا إذا ارتدّت الأمة أو قبلت ابن زوجها فقد ذكر في الفوائد فلا رواية عن أصحابنا أن المهر يسقط أم لا من المشايخ من قال: لا يسقط لأنّ المنع ما جاء من قبل من له الحق وهو المولى حتى يجازى بمنع البدل ومنهم من يقول يسقط لأنّ المهر يجب لها ثمّ ينتقل إلى مولاها أو أفرغ عن حاجتها حتّى لو كان عليها دين يصرف المهر إلى دينها كذا ذكره شيخ الإسلام خلافاً لزفر - رحمه الله- وذكر في الْمَبْسُوطِ (٢).


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١١٤).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٤٩).