للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: دعوى الاستناد تنتقص بالمسألة الثّانية وهي قوله وإن لم يدخل بها حتّى أعتقها فالمهر لها ولو أسند الجواز إلى أصل العقد يجب أن يكون المهر للمولى كما لو تزوجت بإذن المولى ولم يدخل بها الزّوج حتّى أعتقها.

قلنا: إن حكم الاستناد يظهر فيما لا يختلف مستحقّة لا فيما يختلف وههنا يختلف لأن المستحق زمان الثبوت هو الأمة وزمان العقد هو المولى ولما كان المستحق زمان الثبوت هو الأمة امتنع استناد هذا الاستحقاق إلى زمان العقد لأنه لو استند هذا الاستحقاق إلى زمان العقد يبطل هذا الاستحقاق زمان الثبوت فيبطل الاستناد من حيث يثبت كذا في الفوائد الظهيريّة.

وذكر في مبسوط (١) فخر الإسلام -رحمه الله- هذا السؤال فقال فإن قالوا حكم النفاذ لا يظهر في المستوفى لأنّه معدوم والاستناد إنما يظهر في الموجود لا في المعدوم.

قلنا: بل يظهر هنا؛ لأنّ المستوفى له حكم الأعيان عندنا أو يقال أظهرنا حكم الإذن في البضع وهو موجود وما ورد الاستيفاء إلا في بضع واحد فيجب عليه بدل واحد.

فإن قلت: يشكل على ما ذكر في جواب الاستحسان مسألة من قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق فتزوّجها ودخل بها طلقت وعليه نصف المسمّى بالطّلاق قبل الدّخول بحكم العقد ومهر بالدّخول بعد الطّلاق بالحنث.

قلت: كمال المهر هناك إنّما وجب بسبب سقوط الحدّ باعتبار الشّبهة ونصف المهر بسبب العقد بالحنث في يمينه فلمّا اختلف السببان قلنا يجب مهر ونصف مهر يحتال كل واحد من السببين.

بخلاف ما [يجب] (٢) فيه فإنّه لو وجب المهران هنا لكان الوجوب مستندًا إلى عقد النكاح وإلا وجب الحدّ والعقد الواحد لا يوجب مهرين إلى هذا أشار الإمام المحبوبي-رحمه الله- ووجهه أن له يملك مال أبنه للحاجة إلى البقاء لأنّ الشّرع أضاف مال الولد إلى الأب بقوله -عليه السلام-: «أَنْتَ، وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (٣) كبيراً كان الابن أو صغيراً أو جارية ابنه من ماله وكان للأب أن يستولدها ويثبت نسب هذا الولد إذا ادّعاه الأب صدّقه الابن في ذلك أم كذبه لأنّ في إثبات نسب الولد منه إبقاه معنى والشّرع أثبت له ولاية الانفاق على نفسه من مال ولده بغير شيء لحاجته إلى إبقاء نفسه حاجته أصلية فلا يوجب عليه العوض وحاجته إلى إبقاء نسله دون ذلك فيكون معتبراً به في أصل التملك فلذلك كان متملكًا الجارية مقابلاً بالقيمة سابقاً على الاستيلاد وباعتبار صلاحية التملّك.


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٧٦ - ٧٨).
(٢) وفي (ب): (نحن).
(٣) رواه أحمد برقم (٦٩٠٢) (١١/ ٥٠٣)، ابن ماجه في كتاب التجارات باب ما للرجل من مال ولده برقم (٢٢٩١، ٢٢٩٢)، وصححه الألباني في الإرواء برقم (٨٣٨) (٣/ ٣٢٣).