للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: أمّا الفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الأولى فهو أن الحاجة إلى إثبات الملك بوصف التقدم ههنا أمسّ لأن الملك لو لم يثبت بهذا الوصف لكان الوطئ مصادفاً للمحل الخالي عن أحد الملكين وفيما إذا كانت مشتركة بينهما لم يصادف الوطئ المحلّ الخالي عن أحد الملكين لاشتماله على أحد الملكين وأمّا المسألة الثّانية فلا ترد نقضاً لأن الملك غير ثابت فيها لا بوصف التقدّم ولا بوصف التأخّر فلا يستويان في الحاجة إلى إثبات الملك لما أنّ إثبات الملك بصفة التقدم كان لصيانة فعله عن الحرمة وصيانة الولد عن الرّق وهذا المجموع لا يتأتى ههنا.

[وأمّا المسألة الثّالثة فلأن الملك بوصف التقدم كان زايد لصيانة فعل عن الحرمة وصيانة الولد عن الرّق وهذا المجموع لا يتأتى ههنا] (١).

وأمّا المسألة الثّالثة فلأن الملك بوصف التقدم مجتهد فيه فيكون الوطئ حراماً عند البعض فيتمكن فيه شبهة وبالشّبهة تدرء الحدود إلى هذا أشار في الفوائد والجامع المحبوبي-رحمه الله-. قوله: -رحمه الله- ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ قُبَيْلَ الِاسْتِيلَاءِ شَرْطًا لَهُ (٢) أي لتصحيح الاستيلاد.

فإن قلت: ليس له نظير في الشّرع لما أن الملك للأب يثبت بسبب العلوق لما مرّ أنّ الملك لا يثبت في الوطئ الذي لا علوق فيه فكان الملك حكمًا للعلوق لا محالة وحكم الشّيء إن لم يتعقبه على ما هو الأصحّ من المذهب فلا يسبقه فكيف سبق ههنا والقول بتقدم الحكم قول بما لا نظير له في الشّرع.

قلت: بل له نظير لكن لا على تقدم الحكم على السّبب وهو جميع مسائل المقتضى كما في قوله اعتق عبدك عني بألف درهم على ما يجيء فيثبت التّمليك سابق على الإعتاق لأنّ التّمليك شرط لصحّة الإعتاق عن الآمر والكلام في الحقيقة بيننا وبين الخصم راجع إلى أن ثبوت الملك للأب شرط للاستيلاد أو حكم له.

قلنا: أنّه شرط استدلالاً بدلالة الإجماع فإنّ الإجماع ينعقد بيننا وبين الخصوم أن استيلاد الأب صحيح في جارية الولد ومن شرط صحّة الاستيلاد وقوع الوطئ في الملك حتّى إذا خلا عن الملك أصلاً لا يثبت الاستيلاد كما في جارية الأجنبي فلما ثبت كونه شرطًا ثبت متقدمًا لأنّ الشروط أبدًا تتقدم على الحكم وكان هذا نظير ما قلنا في السّرقة في انتقال العصمة فإنا نقول انتقلت العصمة من العبد إلى الله تعالى قبيل السرقة استدلالاً بقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (٣) ليكون جزاء الله بالقطع على مقابلة جناية وقعت في عصمة الله تعالى على الخلوص لما عرف. وأمّا قوله إن الملك لا يثبت في الوطئ الذي لا علوق فيه فلما قلنا أن إثبات الملك للأب لضرورته ثبوت نسبه لبقاء نسله وفيما لا علوق فيه لا ضرورة فلا يثبت الملك شرطًا ولا حكمًا لأنّ الثّابت بالضّرورة يتقدّر بقدر الضّرورة.


(١) ساقط من (ب).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٥١٢).
(٣) سورة المائدة من الآية: ٣٨.