للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا أن مع التّباين حقيقة وحكمًا لا تنتظم المصالح.

المراد بالحقيقة تباعدهما شخصاً وبالحكم أن لا يكون في الدّار التي دخلها على سبيل الرجوع بل يكون على سبيل القرار والسكنى، وفي قوله حكمًا جواب عن قوله كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن لأنّ الحربي المستأمن وإن كان في دار الإسلام حقيقة ولكن هو في دار الحرب حكمًا لأنّه على نية الرجوع فلذلك لم يترتب عليه حكم التباين وكذلك في المسلم المستأمن حتّى لو انقطعت نية الرجوع كان حكم التباين ثابتًا في حقّه فإنّه ذكر في الْمَبْسُوطِ (١)، ويستوي في وقوع الفرقة بتباين الدّارين إن خرج أحدهما مسلمًا أو ذميًا أو خرج مستأمنًا ثم أسلم أو صار ذميًّا لأنّه صار من أهل دارنا حقيقة وحكمًا والآية دليلنا فإنّ الله تعالى حرّم ذوات الأزواج فلما لم يثبت انقطاع الزّوجية بينهما كانت محرمة على السابي بهذا النصّ كذا في الْمَبْسُوطِ (٢).

المهاجرة من أرض إلى أرض ترك الأولى للثانية وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة بأن خرجت مسلمة أو ذميّة على نية أن لا ترجع إلى ما هاجرت منه أبدًا لأنّ الفرقة وقعت بعد الدّخول في دار الإسلام.

وإنّما قيّد به احترازاً عمّا لو طلّقها الحربي ثلاثاً في دارهم ثم هاجرت فإنّه لا عدّة عليها بالإجماع لأنّ الفرقة وقعت في دارهم وهم لا يؤاخذون بأحكامنا فبانت بلا عدة فلا تجب بعد ذلك عدّة لأنّها إذا سقطت مرّة أصلاً لا تعد إلا بتجديد سبيها وكذلك لا تجب العدّة على التي سبيت فإنّ السّبي المبيح للسابي منع ثبوت العلّة والعلّة لا تعمل عند معارضة المانع إيّاها وهذا كأمّ الولد تعتق فتلزمها العدّة وإذا كانت منكوحة لا تجب وأبو حنيفة -رحمه الله- استدلّ بقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (٣)، فالله تعالى أباح نكاح المهاجرة مطلقا فتقييد ذلك بما بعد انقضاء العدّة يكون زيادة وقال الله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (٤)، وفي إيجاب العدّة إمساك بعصم الكوافر والمعنى فيه أنّ هذه الفرقة وقعت بتباين الدّارين فلا توجب العدّة كالمسبية وهذا لأنّ تباين الدّارين حقيقة وحكمًا مناف للنكاح فكان منافياً لأثر النكاح فلا تجب العدة لحق الشّرع مع وجود المنافي ولا لحق الزّوج لأنّه حربي غير محترم كذا في الْمَبْسُوطِ (٥) والأسرار ولا خطر لملك الحربي.


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٥٨).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٥٣).
(٣) سورة الممتحنة من الآية: ١٠.
(٤) سورة الممتحنة من الآية: ١٠.
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٥٧).