للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أمّا الطّلاق في حالة الحيض فقد ذكر جوابه في الكتاب، وهو أنّه اقترن به معنى محرم، وهو تطويل العدّة، وكذلك في طهر قد جامعها فيه اقترن به معنى محرّم، وهو التباس أمر العدة عليها، فإنّه إذا طلّقها في طهر قد جامعها فيه تلبس أمر العدّة، فإنّها لا تدري أنّها حامل فتعتد بوضع الحمل، أو حائل فتعتد بالإقراء، وأمّا إذا طلّقها في طهر لم يجامعها فيه فقد انعدم هذان المعنيان، فيجوز من غير كراهة سواء وقع الثّلاث أو الواحدة، وهو معنى قولهم هذا طلاق صادف زمان الاحتساب مع زوال الارتياب (١).

ثمّ قال (٢): لا أعرف في الجمع بدعة (٣)، ولا في التّفريق سنة، بل الكلّ مباح، ويقول: إيقاع الثّلاث جملة سنة، حتّى إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً للسنّة، وقع الكلّ في الحال عنده (٤)، قال: وبالاتّفاق (٥) (٦) لَوْ نَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً، يَقَعُ جُمْلَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُنَّةٌ، لَمَا عَمِلْت نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بِخِلَافِ الْمَلْفُوظِ بَاطِلٌ (٧)، واستدلّ بحديث الحسن بن علي (٨) -رضي الله عنه- طَلَّقَ امْرَأَتَهُ (شَهْبَاءَ) (٩) ثلاثاً حين هنّأته بالخلافة بعد موت علي (١٠) -رضي الله عنه- (١١)، وحجّتنا في ذلك ظاهر قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (١٢)؛ معناه في دفعتين (١٣)، كقول القائل: أعطيته مرتين، وضربته مرتين، والألف واللام للجنس، فيقتضي أن يكون كلّ الطّلاق المباح في دفعتين، ودفعة ثالثة في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} (١٤)، أو في قوله تعالى: [٣٢١/ ب] {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (١٥) على حسب ما اختلف فيه أهل التّفسير (١٦).


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٥).
(٢) القول للشافعي. انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ١٩٠).
(٣) (الْبِدْعَةُ) اسْمٌ مِنْ ابْتَدَعَ الْأَمْرَ إذَا ابْتَدَأَهُ وَأَحْدَثَهُ وهُوَ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ أَوْ نُقْصَانٌ مِنْهُ، المغرب في ترتيب المعرب (ص: ٣٧).
(٤) انظر: الأم للشافعي (٥/ ١٩٤).
(٥) يقصدبهإجماعالأئمةالثلاثةأبوحنيفةوأبويوسفومحمد بنالحسن?رحمةاللهعليهمجميعاً. ينظر: المذهب الحنفي (١/ ١٣١)
(٦) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٤)
(٧) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٤)، والأم للشافعي (٥/ ١٩٤).
(٨) الحسن بْن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب سبط النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمه فاطمة بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوكَانَ يشْبِهُ جَدَّهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَفِظَ عَنْ جَدِّهِ أَحَادِيْثَ، وَعَنْ أَبِيْهِ وَأُمِّهِ. توفي سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين انظر: أسد الغابة (٢/ ١٣)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٢٧).
(٩) اسمها عائشة بنت خليفة الخثعمية، وهي زوجة الحسن بن علي -رضي الله عنه-. ينظر: مختصر تاريخ دمشق (٧/ ٢٨)، والطبقات الكبرى لابن سعد (١/ ٢٨٧).
(١٠) عليّ بْن أَبِي طَالِب بْن عَبْد المطلب، ابْن عم رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وصهره عَلَى ابنته فاطمة، وهو أول من صَدَّق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بني هاشم، وَأَبُو السبطين، وأول خليفة من بني هاشم، كانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، ودفن بالكوفة عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة. يُنْظَر: أسد الغابة (٤/ ٨٨)، تجريد الأسماء والكنى المذكورة في كتاب المتفق والمفترق (٢/ ١٠٧)، تاريخ دمشق لابن عساكر (٤٢/ ١٠).
(١١) أخرجه البيهقي في السنن الكبير (كتاب الصداق/ باب المتعة/ ١٤٤٩٢)، والطبراني في المعجم الكبير (باب الحاء/ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ/ ٢٧٥٧)، وفيه سلمة بن الفضل وهو الأبرش القاضي، قال الحافظ: "صدوق كثير الخطأ ". وفيه أيضاً: محمد بن حميد الرازي، قال الحافظ: "حافظ ضعيف"، وقال الهيثمي: "فِي رِجَالِهِ ضَعْفٌ، وَقَدْ وُثِّقُوا". ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (٤/ ٣٣٩)، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (٣/ ٣٥٣).
(١٢) [البقرة: ٢٢٩]
(١٣) يَعْنِي الطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَقِيبَهُ مَرَّتَانِ. يُنْظَر: تفسير البغوي (١/ ٢٦٩).
(١٤) [البقرة: ٢٣٠].
(١٥) [البقرة: ٢٢٩].
(١٦) وأما قوله: " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، فإنّ في تأويله وفيما عُني به اختلافًا بين أهل التأويل.
فقال بعضهم: عنى الله تعالى ذكره بذلك الدلالة على اللازم للأزواج المطلقات اثنتين بعد مراجعتهم إياهن من التطليقة الثانية- من عشرتهن بالمعروف، أو فراقهن بطلاق، وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: "الطلاق مرتان"، قال: يقول عند الثالثة: إما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان، وقال مجاهد: الرجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره، فإذا تكلم الثالثة فليست منه بسبيل، وتعتدّ لغيره، وقيل: هو ترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة، وقيل أراد به: الطلقة الثالثة. ينظر: تفسير الطبري = جامع البيان (٤/ ٥٤٤)، التفسير البسيط (٤/ ٢٢٣).