للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَلَا تَرَى أَنَّ [٣٢٨/ ب] مَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَنَوَى جَمِيعَ النِّسَاءِ، صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ لِمُصَادَفَةِ نِيَّتِهِ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، والظرفية لا تقتضي الاستيعاب؛ أي: الظرفية الثابتة بكلمة في لا تقتضي الاستيعاب، بخلاف الظّرفية المنزوعة عنها كلمة في أنها تقتضيه.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عليّ أن أصوم في هذه السنة، فصام يومًا يخرج عن العهدة، ولو قال: لله علي أن أصوم السنة يلزمه صوم جميع السنة بالإجماع (١) (٢)، والفقه هو أنّ قوله غدًا يصير ظرفاً بطريق الضّرورة؛ لأنّ الظّرفيّة تثبت لا بلفظ يدل عليها.

وفي قوله: في غد يثبت بلفظ يدل عليها والثّابت باللّفظ يحتمل البينة؛ لأن النيّة لتعيين بعض ما احتمله اللّفظ، وما يثبت بدونه فلا يحتملها فيبقى على ما اقتضاه اللّفظ يوضح فرق المسألة ههنا الفرق المذكور في قوله أنت طالق كلّ يوم.

وقوله: أنت طالق في كل يوم، حيث يقع في الأوّل تطليقة واحدة؛ لأنّه وضعها بالطّلاق في كلّ الأيّام، وهي موصوفة بالطّلقة الواحدة في جميع الأيام، لما أنّه لو سكت على أنت طالق كانت واحدة، وكانت طالق كلّ يوم، وكذا إذا ذكر كلّ يوم، وكذا إذا قال: أنت طالق أبدًا وفي الثّاني يقع ثلاث تطليقات في ثلاثة أيام؛ لأنّه أوقع عليها في كل يوم تطليقة - كذا في «الفوائد الظهيرية» (٣) وشروح «الجامع الصّغير» (٤) - (ونفس الجزء الأوّل)، أي: عند عدم النيّة هذا جواب عن قولهما، وهو قوله: ولهذايَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ؛ يعني أنّ وقوع الطّلاق في الأوّل باعتبار عدم المزاحم؛ لأن كلّ الغد ظرف فإذا عين آخر النّهار كان التعيين القصدي أولى بالاعتبار، فكان ذلك منه تعيينًا لا تغييراً، فيتعين المبهم يصح منه قضاء وديانة، كما إذا قال لامرأتيه: أحديكما طالق، ثم عين أحديهما فهو تعيين لا يعتبر، والجامع بينهما تعيين المبهم، يعني أن قوله: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي يستغرق جميع عمره كما أن غدًا يستغرق جميع الغد وكذلك لأصومنّ الدّهر.


(١) ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع (١/ ٢٢٧).
(٢) الإجماع: اتفاق المجتهد ينفي أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في عصر، وأحيانا يقصد به إجماع علماء المذهب، كما ورد هنا. ينظر: التعريفات (ص ١٠)، الكليات (ص ٤٢)، كشاف اصطلاحات الفنون (١٠٣/ ١).
(٣) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٢٩١).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٤٢)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٢٩١).