للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: (والله لأصومنّ في عمري أو في الدّهر) لا يستغرق العمر والدّهر، بل يجب عليه صوم يوم من العمر لا غير؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ، أي: معلومة مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَلْغُوَ؛ لأنّها لم تكن في ملكه في ذلك الوقت الذي أضاف الطّلاق إليه (١).

وحاصله أنّه متى وصفها بالطّلاق في وقت لم يكن هو مالكاً للإيقاع فيه كان ذلك منه إنكارًا للطّلاق لا إقراراً به، كما قال: طلقتك قبل أن أتزوجك أو قبل أن تخلقي ومتى وصفها بالطّلاق في وقت كان مالكاً للإيقاع فيه، كان ذلك منه إقراراً صريحًا بالطّلاق، ومن ضرورة كونها طالق في ذلك الوقت أن يكون طالقاً في الحال، ولأنّه يمكن تصحيحه إخباراً عن عدم النكاح إلى آخره؛ وهذا لأنّه لما كان للإخبار وضعًا جعل إخباراً، كما لو قال لامرأتيه: أحديكما طالق مراراً، لم يقع إلا واحدة؛ لإمكان جعل الثّاني إخباراً.

فإن قيل: ما ذكرتم منتقض بما إذا قال لامرأته بعد الدّخول: أنت طالق، قاله مراراً يقع الثّلاث، وإن أمكن جعل الثّاني والثّالث إخباراً.

قلنا: لا يمكن؛ لأنّ القيد كما يزول عنها يعود إليها، فيمتنع كون الثّاني إخباراً، وهذا عند بعضهم، والمتبحّرون من مشايخنا يقولون: يتوقف زوال القيد عنها على انقضاء العدّة.

ولذا قالوا: لو قال لامرأته وهي مدخول بها: أنت طالق، ثم قال: (كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ) يقع عليها طلاق آخر، وهذا شاهد لهم بقيام النكاح بعد الطّلاق، وإذا كان كذلك تعذر اعتبار الثّاني إخباراً، وهذا بخلاف ما استشهد به؛ لأنّ القيد ثمة يزول عن مسمّى أحديهما قضية للإخبار بلا عود لامتناع وجوب العدّة عليها؛ إذ وجوبها من وقت البيان وحاصل هذه النكتة أن قوله: أنت طالق إنما يجعل إنشاءً وإيجاباً للطّلاق، وإن لو لم يمكن جعله إخباراً؛ إذ هو حقيقة في الإخبار والكلام على حقيقته، ما لم يقم الدّليل على مجازه فلما تزوّجها اليوم، فقد أمكن العمل بحقيقته؛ لأنّها كانت طالقاً أمس فلم يجب إيقاع الطّلاق، فأمّا [٣٢٩/ أ] إذا تزوّجها أوّل من أمس فلم يستقم العمل بحقيقته، فوجب إضمار الواقع فيه اقتضاء؛ لأنّه وصفها بكونها طالقاً أمس وهي لم تكن طالقاً، فلم يمكن تصحيح هذا الكلام بطريق الإخبار، إلا أن يتضمّن طلاقًا قبله، فيكون إيقاع الطّلاق أمس، وإيقاع الطّلاق في الماضيلا يتصوّر، ولكن إيقاع الطّلاق في الماضي إيقاع في الحال - كذا في «الجامع الصّغير» لشمس الأئمة وفخر الإسلامو «الفوائد الظهيرية» (٢) -.


(١) يُنْظَر: تحفة الفقهاء (١/ ٣٤٢).
(٢) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ١٩٥)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣١٧).