للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: ما يقول في قوله: (أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ)، واليوم هناك محمول على بياض النّهار، مع أن الأوجه الثلاثة التي ذكرتها تقتضي أن يكون المراد من الفعل المقرون فعل القدوم، فحينئذ يجب أن يكون المراد من اليوم مطلق الوقت، فيدخل فيه اللّيل والنّهار (١).

قلت: الجواب عنه من وجهين أحدهما: أنّ المقصود من ذكر الشّرط والجزاء الجزاء.

وقوله: (يوم يقدم) في معنى الشّرط وإن لم يكن حرف الشّرط مذكوراً، والأمر باليد جزاؤه وهو ممتدّ، فحمل اليوم على بياض النّهار نظراً إلى جانب الجزء الذي هو المقصود، بخلاف ما ذكرنا من الأوجه الثلاثة في مسالة التزوّج والكلام، فإن كلاً من فعلي الشّرط والجزاء فعل غير ممتدّ، فاعتبر جانب الأوجه الثلاثة هناك لذلك.

والثّاني: أنّ اليوم في أصله موضوع لبياض النّهار، ولهذا يذكر عند مقابلة اللّيل، ويقال يوم وليلة، ويترجم بالفارسية اليوم روز، وفعل الشّرط مع جزائه بمنزلة كلام واحد؛ لتعلّق كلّ منهما بالآخر، ولمّا كان كذلك، ووجد فعل ممتد، وهو الأمر باليد مع ذكر اليوم في كلام واحد، يرجح جانب الوضع الأصلي لليوم، وهو بياض النّهار؛ لما أنّ الأصل يراعى جانبه مهما أمكن، وقد أمكن هنا للوجه الذي ذكرنا فلذلك حمل اليوم على بياض النّهار والله أعلم.

فصل (٢)

وملك النكاح مشترك بينهما حتّى سميا متناكحين، وهذا في النكاح يذكر كلّ واحد منهما وينتهي النكاح بموت كلّ واحد منهما، حتّى يرث كلّ واحد منهما صاحبه، وحجّتنا في ذلك ما روي أن امرأة قالت لزوجها: لو كان إلي ما إليك لرأيت مَاذَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: جَعَلْتُ إلَيْكِ مَا إلَيَّ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُكَ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فقال: "خطّا الله نوءها، هلّا قالت: طلقت نفسي منك" (٣)، وروي: خطّ الله نوءها من الخطيطة، وهي أرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين، فعلته بمعنى مفعوله؛ أي: جعلت كالمخطوطة بخط ظاهر بينهما (٤).


(١) انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (٣/ ٢٧١)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٢٩٩).
(٢) عنون له صاحب العناية: فَصْلٌ، قَالَ: لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ. ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣٨).
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب الخلع والطلاق/ بَابُ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ/ ٢٦٧٨)، والطبراني في المعجم الكبير (باب العين/ ٩٦٤٩).
(٤) انظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام (٤/ ٢١١).