للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما يثبت لها بالنكاح ملك المهر والنّفقة فذلك لا يقبل الطّلاق، وما يثبت له عليها ملك الحل، وهو الملك الذي يقابله البدل والطّلاق مشروع لرفعه، وإنما يرفع الشيء عن المحلّ لوارد عليه دون غيره، ثم الملك الذي يثبت في جانبها تبع للملك الثابت للزّوج عليها، وما يكون تبعًا في النكاح لا يكون محلاً لإضافة الطّلاق إليه عند تأكيدها ورجلها - كذا في «المبسوط» (١) - بخلاف الإبانة؛ لأنّها لإزالة الوصلة وهي مشتركة.

فإن قلت: لو كان الزّوج والمرأة في الإبانة مشتركين، لا يجد حكم الإبانة في حقّ الإضافة إليهما فلم يتحد بل اختلف، ألا ترى أنّه إذا قال لامرأته: أنا نائن، يعني: منك، ولم يقل منك لا يقع شيء، وإن عنى به الطّلاق، وكذلك لو قال: أنا حرام ولم يقل عليك.

بخلاف ما لو قال: أنت نائن أو أنت حرام، ونوى به الطّلاق، يقع الطّلاق، وإن لم يقل مني.

قلت: الفرق بينهما إنما تراجع من وجه آخر، وهو أن البينونة قطع الوصلة المشتركة، ولا وصلة في حقها إلا التي بينها وبينه؛ إذ لا يتصوّر على المرأة نكاحان فعند إضافة البينونة إليها يتعيّن الوصلة التي بينهما وإن لم يضف إلى نفسه، وأمّا في جانبه فالوصلة تحقّق بينه وبين غيرها مع قيام الوصلة بينه وبينها، فإذا قال: أنا نائن، لا يتعين بهذا اللّفظ الوصلة التي بينهما لتعدّدها ما لم يقل منك، وكذلك في لفظ الحرمة، فإنها لا تحل إلا له خاصة.

بخلاف جانبه فإنّه يحل لها ولغيرها مع قيامها، فعلم بهذا إنّما نشأ إفراق تلك الإضافة من جهة اختصاص وصلة المرأة وعدم اختصاص وصلة الزّوج، ولكن الوصلة بينهما بالله على وجه الكمال، فصحّ إضافة البينونة إلى كلّ واحد منهما، ولكن على وجه يعلم بها إرادة الوصلة القائمة بينها - إلى هذا أشار في «المبسوط» (٢) -وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. أحديهما: قوله: أنت طالق واحدة أولاً، والثّانية: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ أي: لا فرق في حق التّشكيك في الإيقاع أو في حقّ الوضع، ولو كان المذكور ههنا، أي: في «الجامع الصّغير» (٣) قول الكلّ، فعن محمّد -رحمه الله- روايتان؛ لأنّه لم يذكر الخلاف في وضع «الجامع الصّغير» (٤) في أنّه شيء، وكان عن محمّد (٥) -رحمه الله- أيضًا لا يقع شيء، ثم ذكر قول محمّد في طلاق «المبسوط» بأن عنده يطلق واحدة رجعية في قوله: أنت طالق واحدة أو لا شيء (٦)، ولا تفاوت بين هذا الوضع وبين وضع «الجامع الصّغير» بقوله: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا (٧) فلما اتحد الوضعان، فذكر في أحدهما أنّ الجواب قول الكل في أنّه لا يقع، وفي الآخر ذكر أنه على قول محمّد يقع واحدة رجعية، يلزم من ذلك ضرورة ورود الروايتين عن محمّد (٨)، أمّا لو قال لها: أنت طالق أو لا بدون ذكر الواحدة، أو قال: أو لا شيء، أو قال: أنت طالق أو غير طالق، لا يقع شيء عند الكل.


(١) المبسوط للسرخسي (٦/ ٧٨، ٧٩).
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٨٣).
(٣) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ١٩٤).
(٤) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ١٩٤).
(٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٣٦)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٣١٧)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٤١).
(٦) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٣٦).
(٧) الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ١٩٤)
(٨) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٣٦)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٣١٧)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٤١).