للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا الضّرب الثّاني والكنايات ذكر في أوّل باب إيقاع الطّلاق، أنّ الطّلاق على ضربين صريح وكناية.

وفرع من بيان أنواع الصّريح ثم شرع ههنا في بيان أنواع الكناية، وإنّما قدم ذكر الصّريح لما أنّ الأصل في الكلام هو الصّريح؛ [إذ الكلام وضع للأفهام والأفهام الكامل في الصّريح وأمّا الكناية ففيها ضرب قصور] (١) حتّى ظهر أثره فيما يدرأ بالشبهات من الحدود.

قوله -رحمه الله-: أو بدلالة الحال، لما أنّ دلالة الحال تصلح دليلاً على المراد كما في البيع بالدراهم (٢) المطلقة يصرف إلى غالب نقد البلد، وكذا لو أطلق النية في الحجيصرف إلى الفرض بدلالة الحال؛ لأن يحمل المشاق فدل ظاهراً على أن غرضه الأهم هو الفرض، فكذلك ههنا. قوله -رحمه الله- أَمَّا الْأُولَى؛ أي: قوله: اعتدى، أنه على تأويل الكلمة، قوله: فإن نوى الأولى تعين بنيته فيقتضي طلاقًا سابقًا، والطلاق يعقب الرجعة، وذكر في النّوادر (٣) هذا استحسان والقياس أن يكون بايباً اعتباراً بسائر الكنايات وإنّما استحسنا بحديث سودة رضي الله عنها (٤) وهو معروف - كذا في «الجامع الصّغير» لقاضي خان رحمه الله-، وهذا أي: القول بالاقتضاء والرّجعة إذا كان قاله بعد الدّخول.

وأمّا إذا كان قاله قبل الدّخول جعل قوله: اعتدى، قائمًا مقام قوله: كوني طالقاً، بطريق الاستعارة وكان الحكم وهو الاعتداد إذاً مستعارًا لسببه وهو الطّلاق، واستعارة الحكم للسّبب جائزة إذا كان مخصوصاً به، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (٥)؛ أي إذا أردتم القيام إليها، والأفعال الاختيارية مخصوصة بالإرادة السابقة عليها، وقال الله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (٦)؛ أي: عنبًا والخمر مخصوصة بالعنب (٧)، والاعتداد شرعًا بطريق الأصالة إنّما هو في الطّلاق، وأمّا في غير الطّلاق فبالعارض كالموت وحدوث حرمة المصاهرة وارتداد الزّوج وغيرها.


(١) سقط من (ب).
(٢) (الدِّرْهَم) جُزْء من اثْنَي عشر جُزْءًا من الْأُوقِيَّة، وَقطعَة من فضَّة مَضْرُوبَة للمعاملة. ينظر: المعجم الوسيط (١/ ٢٨٢).
(٣) مسائل النوادر. وهي: مسائل مروية عن أصحاب المذهب، لكن لا في كتب ظاهر الرواية بل في كتب غيرها،، تنسب إلى محمد كالكيسانيات، والهارونيات، والجرجانيات، والرقيات، وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية: لأنها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة صحيحة ثابتة. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٢٨٢).
(٤) سَوْدَةُ بِنْت زَمْعَةَ بْن قَيْس، أم المؤمنين، القرشية العامرية، تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَوْدَةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُّوَةِ بَعْدَ وَفَاةِ خَدِيجَةَ، وَهَاجَرَ بِهَا. وَتُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وقيل: في زمن عمر. يُنْظَر: تاريخ الإسلام (٢/ ١٦١)، أسد الغابة (٧/ ١٥٧)، الإصابة في تمييز الصحابة (٨/ ١٩٦).
(٥) [المائدة: ٦].
(٦) [يوسف: ٣٦].
(٧) يَعْنِي: عِنَبًا. قَالَ: وَأَهْلُ عَمَّانَ يسمُّون الْعِنَبَ خَمْرًا. ينظر: تفسير ابن كثير (٤/ ٣٨٨).