للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا الثّانية: وهي قوله: اسْتَبْرِي واستبراء الجارية طلب براء رحمها من الحمل كذا في «المغرب» (١)، فلأنّها تستعمل بمعنى الاعتداد، فحينئذ كان قوله: اعتدي، وقوله: استبرئ سواء، ثمّ قوله: اعتدي تعقب الرّجعة.

فكذا استبرئ وكان إلحاق قوله: استبرئ لقوله: اعتدي في حق إثبات الرّجعة صحيحًا، وأمّا في حق احتمال الاعتداد لنعم الله فلا يصحّ إلحاق الاستبراء، فلابدّ من إثبات معنى آخر للاستبراء حتّى يكون هو من ألفاظ الكناية به، فيحتاج إلى النيّة؛ لأنّه لو لم يثبت له معنى آخر سوى ما ألحق به من معنى الاعتداد عن النكاح كان هو متعينًا في الطّلاق، فيقع به الطّلاق حينئذٍ بدون النيّة، كما في قوله: اعتدى، إذا نوى به الاعتداد عن النكاح يقع الطّلاق بلا توقف، فكذا في استبرئ، وليس كذلك، بل هو من ألفاظ الكناية، وكان قوله: ويحتمل الاستبراء ليطلقها لإثبات ذلك المعنى؛ يعني: قوله استبرئ رحمك، يحتمل أن يكون معناه اطلبي براءة رحمك حتى تعلمي أنها فارغة عن الولد أم لا، فلو كانت فارغة أطلقك، وإلا فلا، فلو كانت نيته هكذا لا يقع الطلاق ولو كانت بينة الاعتداد عن النكاح يقع، كما في اعتدي، فلذلك احتاج إلى النيّة؛ لأنّ قوله: أنت طالق منها مقتضى، أي: في قوله اعتدي واستبرئ- على ما ذكر أو مضمر - أي: قوله أنت طالق منها مقتضى أو مضمر. ولو كان مظهراً لا تقع بها إلا واحدة لا يعتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ (٢)، وهو الصحيح (٣)؛ هذا [٣٣٥/ أ] احتراز عن قول بعضهم، فإنّهم قالوا: إنّما يقع الطّلاق بقوله أنت واحدة، إذا نصبها ليكون صفة للمطلقة، أمّا إذا رفعها فلا يقع؛ لأنّها حينئذٍ تكون صفة شخصها، وقيل: هو قول محمّد -رحمه الله- (٤)، وعند أبي يوسف -رحمه الله- (٥) يَقَعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الطَّلَاقِ تُعْرِبُ عَنْ الْغَرَضِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْإِعْرَابِ، وَإِنْ أَسْكَنَ اختلف المشايخ فيه - كذا في «مبسوط فخر الإسلام» (٦) رحمه الله-، وقال بعضهم: إن أعرب الواحدة بالنّصب يقع من غير نيّة.


(١) يُنْظَر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: ٤٢٤).
(٢) المراد أكثر علماء المذهب عند الحنفية. يُنْظَر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية (ص ٢٤٢).
(٣) يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (٣/ ٤٢)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٤٠٣).
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٤/ ٦٣).
(٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٤/ ٦٣).
(٦) العناية شرح الهداية (٤/ ٦٣).