للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: مادامت في مجلسها ذلك، وإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر، خرج الأمر من يدها، هذا المجموع من قول الصّحابة -رضي الله عنهم-؛ ولأنّه تملكت الفعل منها يعني لا توكيلها، لما أنّ التّمليك يقتضي أن يكونالمملك إليه عاملاً لنفسه، وهذا كذلك وكان تمليكًا، فأمّا الوكيل فهو عامل لغيره، والتمليكات تقتضي جواباً في المجلس، فلذلك اقتصر بالمجلس.

فإن قيل: ههنا من وجوه من الشبه:

إحداها: أنّ ربّ الدّين إذا وكل المديون بإبراء ذمته عن الدّين فهو وكيل، وإن كان عاملاً لنفسه في إبراء ذمته عن الدّين، والدّليل على أنّه وكيل أنه لا يقتصر على المجلس، ويملك صاحب الدّين الرجوع قبل الإبراء، وهو مسألة الجامع.

والثّانية: أنّ التّخيير لو كان تمليكًا لكانت المرأة مالكة للطّلاق.

فحينئذٍ لا يبقى الزّوج مالكاً لاستحالة كون الشّيء الواحد بجميع أجزائه ملكًا لكلّ واحد] منهما في زمان واحد (١)، والزّوج مالك للطّلاق بعد التخيير، فلا تكون هي مالكة له، فحينئذ يكون تصرفها بالنيابة، لا بالملك والدّليل على صحّة ما ادعينا أنّها نائبة، لا مالكة وهو الشبهة.

الثّالثة: ما ذكره محمّد في الزيادات (٢)، رجل قال لامرأته: طلقي نفسك، ثم حلف أن لا تطلق فطلقت هي نفسها حنث الزّوج في يمينه، وإنّما يحنث إذا كانت هي في تطليقها نفسها نايبة عن الزّوج، أمّا إذا لم تكن فلا، قلنا المالك هو القادر على التصرّف؛ لأنّه فاعل عن الملك وهو القدرة والتّمليك تفعيل منه، فيكون لإثبات الملك وهو الإقدار على التصرّف إلا أنّه في الشّرع يراد به القادر على التصرف برأيه واختياره على وجه لو لم يفعله لا يلحقه إثم ولا خلف وعد، وما وقع النّزاع فيه بهذه المثابة فيكون تمليكًا، بخلاف الوكيل إذا لم يأتمره بما أمر به، يلزم فيه خلف الوعد أو الإثم.

وأمّا الجواب عن توكيل المديون بإبراء ذمّته أنّه وكيل وإن كان عاملاً لنفسه.

قلنا: نعم هناك المديون وكيل عن جانب ربّ الدين، لكن تصرفه لنفسه إنّما وقع ضمن صحّة وكالته، فإنّه في ذلك الإبراء لا يعمل لنفسه خاصّة، بل يعمل لربّ الدّين -أيضاً- بتحقيق ما أمره به، ثم صحّة الرجوع لا يدل على أنّه ليس بتمليك.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَللأجنبيّ قبل القبض وبعده قابلة للرجوع، وهي تمليك، وعدم صحّة الرجوع فيما نحن بصدده لاشتمال التخيير على معنى التّعليق، لا لكونه تمليكًا.


(١) زيادة في (ب).
(٢) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٦)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٧٧).