للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا حنث الزّوج في يمينه في المسألة الثّالثة ممنوع على رواية محمّد -رحمه الله-، والمنع مذكور في الزيادات لصاحب «المحيط» (١).

وأمّا قوله: لو كانت المرأة مالكة لا يبقى الزّوج مالكاً.

قلنا: بقاء ملك الزّوج في الطّلاق لبقاء ملكه في النكاح، فإن ملك الطّلاق يستفاد من ملك النكاح، وملك الطّلاق بهذه الصفة لا يمكن تمليكه من المرأة، فلا جرم ثبت الملك لها بقدر ما ملكها الزّوج، والزّوج ملكها ما في وسعه من التّمليك وهو ولاية التصرف لها في الطّلاق بتمليك الزّوج، لا سلب ولاية تصرّف الزّوج عن الطّلاق، فإنّ ذلك للتصرف يبقى له مادام سببه باقياً وهو النكاح، إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية» (٢)، ثم لابدّ من النيّة في قوله اختاري أي: نيّة الطّلاق وإذا خيرها وقال: لم أرد به الطّلاق فالقول قوله مع يمينه؛ لأنّ قوله اختاري كلام محتمل، يجوز أن يكون مراده اختاري نفقة أو كسوة أو داراً للسكنى.

وفي الكلام المحتمل القول قول الزّوج أنّه لم يرد به الطّلاق مع يمينه، لكونه متّهمًا] في ذلك (٣) وأمّا إذا اختارت بعد ذكر الطّلاق فاختارت نفسها ثمّ قال:] لم (٤) أنوِ به الطّلاق لم يصدق في القضاء، وكذلك إن كان في غضبه، وقد بيّنا هذا في فصول الكنايات.

وكما لا يصدقه القاضي، فكذلك لا تسمع المرأة أن تقيم معه إلا بنكاح مستقبل، ثم المخيّرة إذا اختارت زوجها لم يقع عليها شيء، إلا على قول علي (٥) -رضي الله عنه-، فإنّه قال: تطلق تطليقة رجعيّة إذا اختارت زوجها، وكأنّه جعل عين هذا اللّفظ طلاقاً، فقال: إذا اختارت زوجها، فالواقع به طلاق لا يرفع الزّوجة، ولسنا نأخذ بهذا، بل بقول عمر وعبدالله بن مسعودرضي الله عنهما (٦): أنّها إذا اختارت زوجها لا يقع عليها شيء، وقالت عائشة رضي الله عنها: «خيّرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن ذلك طلاقاً» (٧)، وإن اختارت نفسها فواحدة باينة عندنا، وهو قول علي -رضي الله عنه-، وعلى قول عمروابن مسعود رضي الله عنهما واحدة رجعيّة وعلى قول زيد -رضي الله عنه- (٨) إذا اختارت نفسها فثلاث، وكأنّه حمل هذا على أتم ما يكون من الاختيار، وعمر وابن مسعود حملاه على أدنى ما يكون منه وهو التّطليقة الرّجعيّة، ولكنّا نأخذ في هذا بقول علي -رضي الله عنه-؛ لأن اختيارها نفسها إنّما يتحقّق إذا زال ملك الزّوج عنها، فصارت مالكة أمر نفسها وذلك بالواحدة الثّانية، وليس في هذا اللّفظ ما يدل على الثّلاث؛ لأنّ حكم مالكيتها أمر نفسها لا يختلف بالثّلاث والواحدة البائنة، ولهذا قلنا وإن نوى الثّلاث بهذا اللّفظ لا يقع إلا واحدة باينة؛ لأنّ هذا مجرّد نية العدد وهو قوله اختاري أمر بالفعل فلا يحتمل العدد، بخلاف قوله: أنت بائن بنية الثّلاث، إنّما يصحّ هناك باعتبار أنّه نوى نوعًا من البينونة، وههنا الاختياري لا يتنوع، فبقي هذا مجرّد نيّة العدد كذا في «المبسوط» (٩).


(١) الزياداتلصاحب: (المحيط)، برهان الدين محمود بن أحمد بن مازة البخاري. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ٩٦٣).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢١٢).
(٣) زيادة في (ب).
(٤) زيادة في (ب).
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢١٢)، والنتف في الفتاوى للسغدي (١/ ٣٦٤)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣٧٢).
(٦) انظر: المراجع السابقة.
(٧) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَابُ مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَهُ/ ٥٢٦٢)، ومسلم في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَابُ بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ/ ١٤٧٧).
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢١٢)، والنتف في الفتاوى للسغدي (١/ ٣٦٤)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣٧٢).
(٩) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٨٥).