للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: لابدّ من ذكر الفرق بين قوله: اختاري نفسك، ونوى] الزوج (١) الثلاث فقالت المرأة: اخترت، يقع تطليقة واحدة بائنة ولا يقع الثّلاث، وبين قوله: أمرك بيدك، وطلقي نفسك، وأنت بائن، ففي هذه الصّورالثّلاث، إذا نوى الزّوج التّطليقات الثّلاث، وأوقعت المرأة، يقع الثلاث مع أنّ القياس يقتضي وقوع الثّلاث في الأخبار بعد قوله اختاري بالطّريق الأولى؛ لاجتماع ما يقتضي وقوع الثّلاث فيه، وهو صيغة الأمر، ولفظ الكتابة، وفي تلك الثلاثة لم يجتمع.

قلت: الفرق من وجهين:

أحدهما: ما ذكره في «الإيضاح» فقال: إنّ القياس يقتضي أن لا يقع بالتخيير شيء وإن اختارت؛ لأن اختيار الشّيء لا يدلّ على الإيقاع، وإنّما يثبت ذلك بإجماع (٢) الصّحابة -رضي الله عنهم-، والإجماع انعقد في الطّلقة الواحدة (٣)، فما عدا ذلك يبقى على أصل القياس، ولم يرد الإجماع في حق تلك المسائل على أنّ الواقع فيها الواحدة فأجرى إيقاع الثّلاث هناك على ما تقتضيه تلك الألفاظ وهو مذكور في تقرير تلك المسائل.

والثّاني: هو ما أشار إليه شيخ الإسلام فقال: (٤) أن الأمر اسم عام يتناول كل شيء، قال الله تعالى: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (٥) أراد به الأشياء كلّها، وإذا كان الأمر إسماعاً ما صلح اسمًا لكلّ فعل، فإذا نوى الطّلاق صار كناية عن قوله: طلاقك بيدك، والطّلاق يحتمل العموم والخصوص، أمّا الاختيار فاسم لفعل خاص وهو الخلوص والصّفوة وثبوت البينونة فيه مقتضى ثبوت الصّفوة والخلوص، فلم يصلح فيه نيّة العموم؛ لأنّ الصّفوة إذا حصلت لها بالاختصاص بنفسها فبعد ذلك لا يزداد هي بانضمام شيء آخر له.

وأمّا قوله: طلّقي، فإنّ الطلاق في نفسه محتمل للعموم والخصوص، فإن له إفراداً وأجزاء فيقتضي عمومه تمام أجزائه.

وقال: (طَلِّقِي نَفْسَك) مختصر قوله: افعلي فعل التّطليق، فكان هو محتملاً للعموم والخصوص أيضاً، فإذا نوى الثّلاث فقد نوى العموم فيصحّ، وأمّا الفرق بينه وبين قوله: أنت بائن فهو ما ذكر في الكتاب (٦) من أنّ البينونة تتنوّع إلى نوعين: خفيفة وغليظة، فأيّ النّوعين نوى فقد أصاب، بخلاف الاختيار، فإنّه عبارة عن الصّفوة والخلوص والصّفوة إذا حصلت، فلا يريد لها بعد ذلك، فلا يحتمل نيّة الثّلاث فلذلك لم يصحّ نيّة الثّلاث.


(١) زيادة في (ب).
(٢) المجموع شرح المهذب (١٧/ ٩٠)، الاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٣٤)، بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار (٢/ ٢٨٢).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢١٢)، والنتف في الفتاوى للسغدي (١/ ٣٦٤)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣٤٢).
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٤/ ٨٩)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣٧٦).
(٥) [الانفطار: ١٩].
(٦) ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٣٥١)