للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -رحمه الله-: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ فِي كَلَامِهَا،

قلت: هذا ليس بمنحصر بذكر النّفس في حق إرادة الطّلاق الباين من التخيير، فإنّ البينونة كما يقع عند ذكر النّفس في أحد الكلامين، فكذلك ما يقع بذكر ما يقوم مقام النّفس في أحد الكلامين، كالتّطليقة والاختيار، وفي قول المرأة اخترت أبي أو أميّ أو أهلي أو الأزواج على ما يجيء بيانه، ثمّ إنّما اشترط ذكر أحد هذه الأشياء في أحد الكلامين، فإنّه إذا كان في كلام الرجل يتضمّن جوابها إعادة ذلك، كأنّها قالت: فعلت ذلك، وإن كان مذكوراً في كلامها فالعامل لفظها، فإذا وجد ما يختصّ بالبينونة في اللّفظ يقع به كفى ذلك كذا في «الإيضاح» (١).

لأنّ كلامه مفسر، وكلامها خرج جواباً له هذا التّعليل لجواب سؤال مقدّر، وهو أن يقال: إنّ قولها اخترت مبهم، والمبهم لا يصلح مفسراً لكلام غيره، فقال في جوابه: إن كلامها خرج جواباً لكلامه، وكلامه مفسر فكان جوابها أيضاً مفسراً.

لأنّ الجواب يتضمّن إعادة ما في السؤال؛ لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الِاخْتِيَارَةِ أي الهاء سماها لتصورها بصورة الهاء، ولكونها هاء عند الوقف هو الذي يتحد مرّة، فإن قال: اختاري نفسك بطلقة، ويتعدد أخرى بأن قال: اختاري نفسك لما شئت، أو اختاري نفسك بثلاث تطليقات، فعلم بهذا أن اختيارها] نفسها (٢) هو الذي يتخذ مرّة، ويتعدّد أخرى بخلاف اختيارها زوجها، فإنّه لا يتعدّد؛ لأنّه عبارة عن إبقاء النكاح وهو غير متعدّد، وقيد الكلام بشيء ينبئ عن الاتحاد إنّما يفيد فائدته أن لو كان ذلك احترازاً عن شيء ينبئ عن التعدّد، وإلا لا يكون في قيده] فائدة (٣).

فعلم بهذا أنّ كلامه وقع في شيء يقبل الاتحاد والتعدّد، وليس هنا منها إلا اختيارها نفسها دون اختيار الزّوج، فكان كلامه مفسراً أيضاً على هذا التقدير، كما في اختاري نفسك، ثمّ جوابها اخترت، وإن كان مبهمًا في نفسه يكون مفسراً لوقوعه جواباً للكلام المفسّر؛ لأنّ الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، ثم ذكر في الكتاب وقوع كلام المرأة (٤) مفسرًّا بذكر النّفس، فقال: ولو قال اختاري، فقالت: اخترت نفسي، يقع الطّلاق إذا نوى الزّوج، لما ذكرنا أن الشّرط في هذا هو أن يقع المفسّر في أحد الكلامين، إمّا في كلام الزّوج أو في كلام المرأة.


(١) يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (٣/ ٣٢٠).
(٢) زيادة في (ب).
(٣) سقط من (ب).
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٨١).