للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد وقع التّفسير ههنا في كلام المرأة تذكر النّفس فيصحّ، ولم يذكر وقوع كلام المرأة مفسّراً بذكر الاختيار، وذكره في كلام الزّوج والحكم فيه كذلك أيضاً؛ لأن ذكر الاختيار لما صحّ التّفسير صار ذكرها بمنزلة ذكر النّفس، فذكر النّفس في أي الكلامين وقع يكون كلامها مفسّرًا، حتّى لو قال الزّوج: اختاري، فقالت المرأة اخترت اختياره تحصل البينونة، كما لو قالت: اخترت نفسي بمقابلة قوله اختاري، وكذلك ذكر الطّلقة في جميع ما ذكرنا من ذكر النّفس والاختيار.

ولو قالت المرأة: اخْتَرْتُ أَبِي أوَ أُمِّي أَوْ أَهْلِي وَالْأَزْوَاجَ بعدما قال الزّوج لها اختاري، والقياس أن لا يقع شيء؛ لأنّه لم يوجد في لفظها ما يدلّ على اختيار البينونة.

ولكنا نستحسن فيوقع؛ لأنّ الزّوج لو قال لها: الحقي بأهلك، ونوى الطّلاق يكون طلاقاً، فكذلك اختيارها الانضمام إليهم اختيار للبينونة - كذا في «الإيضاح» - كما إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أنا أطلّق نفسي لا يطلق، وكذا لو قال لعبده: اعتق رقبتك، فقال: اعتق، لا يعتق وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -وهو ما روي أنّه لما نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ … تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} (١) الآية، بدأ رسول الله بعائشة رضي الله عنها، فقال لها: «إني مخيرك بأمر فلا تجيبيني حتى تستأمري أبويك»، ثم أخبرها بالآية، فقالت: في هذا أستأمر أبوي فَإِنَّهَا قَالَتْ لَا بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (٢) اعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا مِنْهَا، والمعقول فيه هو أنّ الفعل الذي يحتمل الحال والاستقبال أصله الحال فيما يصلح حكاية عن الحال، فقال فلان يصلّي ويقرأ، يراد به الحال في موضع الحكاية، فكذلك ههنا موضع الحكاية؛ لأنّ الاختيار من عمل القلب، فيكون الذكر باللّسان حكاية عن أمر قائم بالقلب لا محالة، وذلك كالرّجل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أنه جعل إيجاباً؛ لأنّه حكاية عن أمر قائم] بالقلب (٣) وهو التصديق فصار إيجاباً وكذلك قول الشّاهد في مجلس الحكم: أشهد؛ لأنّه حكاية عن معنى قائم] بقلبه (٤).


(١) [الأحزاب: ٢٨].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب تفسير القرآن/ بُاب قَوْلِهِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ .. ) / ٤٧٨٥)، ومسلم في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ/ ١٤٧٥).
(٣) زيادة في (ب).
(٤) زيادة في (ب).