للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكذلك قولها إنشاء الطّلاق في مسألتنا حيث يقع به الطّلاق.

وأمّا قولها أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي فليس بحكاية عن حال قائمة] بالقلب (١) إذ لا حال ههنا.

وإنّما الإيجاب حاصل بهذه الصيغة نفسها من قبل أنّ الإيقاع باللّسان دون القلب، فلم يصحّ] جعل (٢) فعل اللّسان حكاية عن فعل قائم باللّسان على سبيل الحال، فيتعذر الأصل، يحمل على ما هو دخيل عليه، وهو الوعد المستفاد من الاستقبال، فلم يكن بد من لفظ دال على أمر ماض ليجعل إيجاباً، وهو قولها: طلقت - كذا في «الجامع الصّغير» لفخر الإسلام والإمام الكشاني (٣) - ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال ويجوز في الاستقبال.

فإن قلت: ما نقول بروايات النحو كلها وهو مشترك بين الحاضر والمستقبل.

قلت: نعم كذلك، إلا أن أحد المعنيين من المشترك يترجّح بدلالة تدل على ذلك المعنى، وقد وجد ههنا دلالة إرادة الحال به، إذ العادة العُرفيّة والشّرعية (٤) تدلان على أنّ مثل هذه الصيغة للحال، يقول الرجل فلان يختار كذا، أو أنا أختار كذا، ويقول أملك كذا وكذا من العبيد والجواري، والمراد به الحال.

وأمّا الشّرعية فما ذكر في الكتاب من قوله: أشهد في كلمة الشّهادة (٥)، وقوله: أشهد في أداء الشهادة، إلى هذا أشار في الفوايد (٦).

قوله -رحمه الله-: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِكَايَةٍ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ،؛ لأنّه لا حال ههنا حتّى يحمل الكلام عليه من قبل أنّ الإيقاع باللّسان دون القلب، فلم يصحّ فعل اللّسان حكاية عن فعل قائم باللّسان على سبيل الحال؛ لأنّه معدوم يعدو الحكاية يقتضي وجود المحكي عنه طلقت ثلاثاً - في قول أبي حنيفة (٧) رحمه الله- ولا يحتاج إلى نيّة الزّوج، ولا إلى ذكر نفسها؛ لأنّ اختيار الطّلاق يتكرّر، واختيار الزّوج لا يتكرّر فتكرار التخيير دليل على أن مراد الطّلاق، ولهما أنّ ذكر الأولى ما يجري مجراه، وهو ذكر الوسطى والأخيرة إن كان لا يفيد من حيث التّرتيب بالاتفاق يفيد من حيث الأفراد، وهذا لأنّ الأولى فأثبت الأول، وهو اسم لفرد] سابق والوسطى تأنيث الأوسط وهو اسم لفرد (٨) يقدم عليه مثل ما تأخر عنه والأخيرة اسم لفرد لاحق، إذا ثبت هذا فيقول: قولها الأولى ينتظم معنيين:


(١) زيادة في (ب).
(٢) زيادة في (ب).
(٣) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٤/ ٨٣).
(٤) العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول. ينظر: التعريفات (ص: ١٤٩).
(٥) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣٧٩).
(٦) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣٧٩).
(٧) يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٢٦)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣٨٠).
(٨) سقط من (ب).