للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: الفرديّة، والآخر: السّبق، فلو بطل معنى السّبق الذي يقتضي التّرتيب، فلا يبطل الفرديّة، فصار كأنّها قالت: اخترت التطليقة الأولى؛ لأنّ معنى قولها اخترت الأولى، اخترت ما صار إلي بالكلمة الأولى، والذي صار إليها بالكلمة الأولى تطليقة، فكأنها صرحت بذلك، وفي ذلك يقع واحدة، فكذا هنا وأبو حنيفة (١) -رحمه الله- يقول الأولى: نعت لمؤنث ولكن النعتينصرف إلى منعوت مذكور، وهو الأصل، والمذكور الاختيار دون الطّلاق، فكان هذا بمنزلة قولها: اخترت الاختيار أو المرأة الأولى، فلو صرحت بذلك طلقت ثلاثاً، وحرف آخر له أنّها أبت بالتّرتيب فيما لا يليق به صفة التّتريب، فيلغو ذكر التّرتيب ويبقى قولها اخترت، ويكون جواباً للكلّ - كذا في «المبسوط» والفوائد (٢) - كالمجتمع في المكان والقوم إذا اجتمعوا في مكان لا يقال هذا أوّل وهذا آخر وإنّما التّرتيب في فعل الأعيان، يقال: هذا جاء أولاً، وهذا جاء آخراً، فإذا لغا ذلك بقي قولها اخترت، ولأنّ الأولى أو الوسطى كما يصلح نعتا للتطليقة تصلح نعتاًللاختياره الحاصلة منها، ولو اقتصرت على قولها اخترت كان جواباً للكلّ، فلا يتغيّر ذلك بكلام محتمل.

بخلاف ما لو اختارت التطليقة؛ لأنّ التّطليقة لا يتناول الثلاث - كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله-، فإذا لغا في حق الأصل وهو التّرتيب، لغا في حق البناء وهو الأفراد، فإذا لغا جميعًا، بقي قولها: اخترت، وهو يصلح جواباً للكلّ فيقع الثّلاث.

فإن قيل: ينبغي أن تقع التطليقة واحدة، كما في قوله: (أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ)؛ لأن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال، بقي قوله: أنت طالق وبه تقع التّطليقة الواحدة.

قلنا: هذا طرد وليس بنقص، لما أنّه لو قالت - ههنا ابتداء في جوابه -: اخترت، كان جواباً للكلّ فيقع الثّلاث، فكذا إذا بقي قولها اخترت بعد بطلان ما ضم إليه من التّرتيب والأفراد، كما هناك باب اقتضاء قوله: أنت طالق للطّلقة الواحدة لم يتفاوت بين ما قاله وذلك ابتداء أو بقي ذلك بعدما انضم إليه من قوله أمس، ولو قالت: (طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ)؛ أي: في جواب قول الزّوج اختاريفهي واحدة بملك الرّجعة، وقال بملك الرّجعة غلط وقع من الكاتب- هكذا ذكره في «الفوائد الظهيرية» (٣) - وقال: لأنّ المرأة إنّما تتصرف حكمًا للتّفويض والتّفويض تطليق بصفة الإبانة؛ لأنّه من الكنايات سوى الثلاثة فيملك الإبانة لا غير.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢١٩).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢١٨، ٢١٩).
(٣) يُنْظَر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (١/ ٣٧٤)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣٨٢).