للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: وجب أن يحمل على الشّرط في هذه الصّورة تصحيحًا للردّ.

قلنا: إنّما يحمل على الشّرط إذا كان الردّ صادراً ممن كان التّعليق صادراً منه؛ وهذا لأنّ إرادة الشّرط تختص بمن كان التّعليق مختصًّا به دون من كان الردّ مختصاً به، فلذلك لم يحمل على الشرط تصحيحًا للرد كذا في «الفوائد الظهيرية» (١).

(حتّى لو عادت إليه بعد زوج آخر، فطلقت نفسها لم يقع شيء)؛ لأنّه ملك مستحدث، أما لو شاءت مرة فطلقت، وانقضت عدتها، ثم تزوجت بآخر ودخل بها، ثم عادت إليه عادت بثلاث مشيئات، وعند محمّد -رحمه الله- بمشيئتين، فلو لم تشاء شيئاً وردت المشيئة بطل ردها، ولها أن تشاء لتجرّد المشيئة، كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ)؛ لأنّها توجب عموم الانفراد دون الاجتماع، ثم لو شاءت الثّلاث جملة، فعند أبي حنيفة -رحمه الله- (٢)، لا يقع شيء، وعندهما تقع واحدة والطّلاق لا تعلّق له بالمكان فيلغوا (٣).

فإن قيل: إذا لغا ذكر المكان، بقي قوله: أنت طالق ست، فينبغي أن يقع، فلا يبطل بالقيام عن المجلس، يدل عليه ما لو قال لها: أنت طالق إندخلت الدّار يقع السّاعة، والمسألة في التّجريد (٤).

قلنا: حيث وأين يفيدان ضربًا من التأخير أيضاً، فيشتركان في تحقيق معنى التّأخير، فيجعلان مجازاً عن حرف الشّرط، فلهذا لا يقع.

فإن قيل إذا جعلا مجازاً عن حرف الشّرط لماذا يبطل بالقيام عن المجلس؟، وإنّما يبطل بالقيام عن المجلس إذا جعلا مجازاً عن حرف أن، وأمّا إذا جعلا مجازاً عن كلمه إذا أو متى فلا يبطل بالقيام، فلم كان جعلهما مجازاً عن أن أولى من جعلهما مجازاً عن إذا ومتى؟ قلنا: جعلهما مجازاً عن أن أولى لما أنّها لمحض الشّرطيّة، فكانت هي أصلاً في الباب، فكان جعلهما مجازاً عمّا هو أصل في ذلك المعنى الذي هو مجوز المجاز أولى -كذا في «الفوائد الظهيرية» (٥) -؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ، أي: بالزّمان؛ لأنّ الطلاق لو وقع يقع في زمان دون زمان، وأمّا إذا وقع في مكان كان واقعًا في جميع الأمكنة، فلا يكون له تعلّق بالمكان؛ لأنّه لا فائدة في تعلّقه بالمكان لعدم اختصاصه بالمكان، والتّعليق بالشّيء لبيان الاختصاص به، كما في الأفعال، وكما في الأزمنة فوجب اعْتِبَارُ الزَّمَانِ خُصُوصًا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ عُمُومًا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، أما إذا أرادت ثلاثاً والزّوج واحدة باينة أو على القلب تقع واحدة رجعيّة، وحاصل ذلك أن عند اتفاق إرادتهما يكون ذلك وعند اختلافهما ثبت ما اقتضاه قوله: أنت طالق، وفي مقتضى قوله: أنت طالق الواحدة الرّجعيّة سواء نوى به الزّوج الثّلاث أو الباين أو غيرهما، فكذا هنا وشرح ذلك في «المبسوط»، وقال: وإن قال: أنت طالق كيف شئت، فهي طالق تطليقة في قول أبي حنيفة -رحمه الله- (٦)، ولا مشيئة لها إن لم يكن دخل بها، وإن كان قد دخل بها وقعت تطليقة رجعيّة، والمشيئة إليها في المجلس بعد ذلك، فإن شاءت الثّانية وقد نوى الزّوج ذلك كان بائنًا، وإن شاءت ثلاثاً، وقد نوى الزّوج] ذلك كان طالقاً ثلاثاً، وإن شاءت واحدة بائنة وقد نوى الزّوج (٧) ثلاثاً فهي واحدة رجعيّة وإن شاءت ثلاثاً، وقد نوى الزّوج واحدة بائنة، فهي واحدة رجعيّة وعند أبي يوسف ومحمّد -رحمه الله- (٨) لا يقع شيء ما لم تشأ، فالتّفريع كما قال أبو حنيفة -رحمه الله-، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْف شِئْت عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا مَشِيئَةَ لَهُ، وَلَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَ ما لم يشأ (٩) وحاصل الاختلاف راجع إلى أنّ أصل الطّلاق هل يتعلّق لمشيتها أم لا؟ عنده لا يتعلّق، وعندهما يتعلّق بها أصل الطّلاق بأوصافه، وثمرة الاختلاف يظهر فيما إذا قامت عن مجلسها، قيل: المشيئة عند أبي حنيفة -رحمه الله- يقع واحدة رجعيّة، وعندهما لا يقع شيء، قال العبد الضّعيف: قال في الأصل: هذا قول أبي حنيفة -رحمه الله- وعندهما لا يقع، وإنّما قال هذا؛ لأنّ ما أورده في هذا الفصل هو مسائل «الجامع الصّغير» (١٠) وليس في أصل رواية «الجامع الصّغير» ذكر قولهما (١١).


(١) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٤٠٢).
(٢) يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٢٥).
(٣) ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٢١٢)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٢٥).
(٤) تجريد القدوري وهو: للإمام أبو الحسين: أحمد بن محمد الحنفي. المتوفى: سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. وهو في مجلد كبير، وهو مطبوع. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/ ٣٤٦).
(٥) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣٥٥).
(٦) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٠٦).
(٧) سقط من (ب).
(٨) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٠٧).
(٩) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٠٧).
(١٠) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٢١٣).
(١١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٠٧).