للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا إذا كانت للحال فحرف الشّرط يدخل على النفي، كما في قوله: إن لم تدخل الدّار فأنت طالق.

فإن قلت: فقد صحّ في اليمين التي هي للمنع ما لا يمكن الامتناع منه، كما إذا قال لامرأته: إن حضت فأنت طالق، فلو كانت فائدة اليمين المنع - كما قلت من الصورة -، لما صحّ هذه اليمين، لما أنّ المرأة غير قادرة على منع الحيضة، فلا يفيد اليمين فائدتها.

قلت: بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْغَالِبِ الشَّائِعِ لا النادر؛ لأنّ الكلام في الكليّات العامّة فلا يرد عليه الإفراد الخاصّة، فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ، أي: أن الحامل على الوفاء هو قوة خوف نزول الجزاء والخوف إنّما يحصل بكون الجزاء غالب النزول عند الشّرط، وذلك بأحد هذين، فإذا انعدما انعدم الخوف وانعدم معنى اليمين؛ لأنّ معنى اليمين هو تأكيد العزم والوفاء وإنّما يحصل ذلك بما قلنا، والظهور بأحد هذين وهما: أن يكون مالكاً أو يضيف إلى الملك بأن قال إن ملكتك فأنت حرّ، ثم تزوّجها، فدخلت الدّار لم تطلق، وقال ابن أبي ليلى: تطلق؛ لأن المعتبر لوقوع الطّلاق وقت وجود الشّرط، فإنّ الطّلاق يصل إلى المحلّ، والملك موجود عند وجود الشّرط فيقع الطّلاق، ولكنّا نقول: هذا بعد انعقاد اليمين، ولا ينعقد اليمين بدون المحلوف به، فإذا لم يكن هو مالكاً للطّلاق في الحال، ولا في الوقت المضاف إليه لم ينعقد اليمين، فبعد ذلك وإن صار مالكاً للطّلاق لم ينعقد اليمين في الوقت المضاف إليه، فلا يقع شيء؛ لأنّ اليمين ما كانت منعقدة، و كذلك لو قال لها: أنت طالق غدًا، ثم تزوّجها اليوم لا يقع عليها شيء إذا جاء غد - كذا في «المبسوط» (١) -؛ لأنّ الحالف ليس بمالك إلى آخره، ولا يقال: لم لا يدرج إن تزوجك، بتقدير إن تزوجك ودخلت الدّار فأنت طالق، صيانة عن الإلغاء.

ولأنّا نقول فعل اليمين ممّا نذم به، فلا يجوز تصحيح قوله على وجه يؤدي إلى مذمته؛ وذلك لأنّ الله تعالى ذم من هو كثير الحلف فقال: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ … حَلَّافٍ مَهِينٍ} (٢)، وإذا كان مذمومًا لا يكون السّعي إلى تصحيحه واجباً، وألفاظ الشّرط ولم يقل حروف الشّرط كما قال بعضهم لما أن عامتها اسم (كإذا ومتى).

فإن قلت: كيف لم يورد ما هو للشّرط وضعًا وهو لو أورد ما لم يوضع له كإذا ومتى وكلّ - وقد ذكر في المفصّل - ومن أصناف الحرف، حرفا الشّرط وهما: (أن ولو) فعلم به أنّ الموضوع للشّرط ذلك الحرفان لا غير، وغيرهما دخيل عليهما وبكلمة (لو) يتعلّق الطّلاق أيضاً حتّى لو قال لامرأته: أنت طالق لو دخلت الدّار، يتعلّق الطّلاق - ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله-.


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٩٩).
(٢) [القلم: ١٠].