للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: جاز أن يكون ترك ذكره باعتبار أن كلمة (لو) تعمل عمل الشّرط معنى لا لفظًا، وهذه الألفاظ تعمل عمله لفظًا ومعنى، فإنّه في مواضع الجزم يجزمن وفي غير مواضع الجزم لزم دخول الفاء في جزائهنّ، بخلاف كلمة (لو)؛ لأنّ الشّرط مشتقّ من العلامة.

ذكر في «الصّحاح» (١) الشّرط (٢) بالتّحريك العلامة، وأشراط السّاعة علاماتها، فعلى هذا معنى ما ذكر في الكتاب لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّمِنْ الْعَلَامَةِ؛ لأنّ معنى الاشتقاق الذي هو عبارة عن أن ينتظم الصيغتين فصاعدًا معنى واحداً، ولم يوجد فيما ذكر في الكتاب، وهذه الألفاظ أي: سوى كلمة كلّ تليها الأفعال، مثل قولك: إن دخلت، وإن خرجت.

اعلم أنّ الجزاء متى تقدم على الشرط يتعلّق بدون حرف الفاء، وإن تأخّر لا يتعلّق بدونه إذا كان الجزاء اسمًا كقوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} (٣) وإن كان فعلاً يتعلّق كقوله: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ} (٤)، وإن قال: أنت طالق إن، فعند محمّد يقع لعدم ذكر ما يتعلّق به، وعند أبي يوسف لا؛ لأنّ ذكره بيان إرادة التّعليق، وإن قال: أنت طالق وإن دخلت، تطلق للحال لعدم حرف التّعليق.

ولو قال: فإن دخلت، لا رواية فيه فلقائل أن يقولتطلق، لأنّ الفاء صارت فاصلة.

ولقائل أن يقول: يتعلّق؛ لأنّ الفاء حرف تعليق، ولو قال: أنت طالق دخلت، تطلق للحال؛ لأنّه لم يوجد التّعليق وكذلك لو قال: لدخلت.

وكذا أنت طالق لدخولك؛ لأنّه جعل الدّخول علّة الإيقاع.

وكذا لو قال: إن دخلت وأنت طالق، تطلق؛ لعدم التّعليق -كذا ذكره الإمام التّمرتاشي-، فقالت: قد حضت، طلقت هي ولم تطلق فلانة.

هذا ليس بِمُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ، بل هذا فيما إذا كذّبها الزّوج في قولها حضت.

وأمّا إذا صدّقها يقع الطّلاق عليهما جميعًا -كذا في «شرح الطّحاوي» (٥) -، كما في الدّخول، أي: دخول الدّار كما قيل في حق العدة والغشيان.

أمّا قبول قولها في العدّة وهو ظاهر بأن قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِيأو لم تنقض، أمّا في الغشيان بأن تقول المطلّقة الثلاث انقضت عدّتي وتزوّجت بزوج آخر، ودخل في الزّوج الثّاني إلى آخره، على ما يجيء، أو يقبل قول المرأة في حقّ حل الجماع وحرمته بقولها أنا طاهر أو حائض، لكنّها كشاهدة في حق ضرتها فلا تقبل.


(١) الصحاح، في اللغة، للإمام، أبي نصر: إسماعيل بن حماد الجوهري، الفارابي. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٠٧٣).
(٢) ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٣/ ١١٣٦).
(٣) [المائدة: ١١٨].
(٤) [النور: ٣٢].
(٥) شرح الإمام، أبي جعفر: أحمد بن محمد الطحاوي. المتوفى: سنة ٣٧١، إحدى وسبعين وثلاثمائة.