للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: يلزم من هذا أن يكون الشّيء الواحد موجودًا، ولا يكون موجودًا في حالة واحدة، وهو محال، فإنّها لم تكن حاضت لا تطلق هي ولا ضرّتها؛ لأنّ الشّرط لم يوجد، وإن حاضت طلقت هي وضرتها لوجود الشّرط.

وأمّا أن يوجد في حقّها ولا يوجد في حق ضرّتها فلا؛ لأنّه حينئذٍ يكون الشّيء الواحد موجودًا ولا موجودًا في حالة واحدة.

قلت: هذا أمر شرعي، فإن الشّرع لما أثبت لقولها حضت وصفين متغايرين وهما الإقرار والشّهادة، رتب على ذينك الموصفين المتغايرين حكمين متغايرين على وفاق ما يقتضيه ذانك الوصفان، وليس ببعيد أن يعطي الشيء الواحد أوصافاً مختلفة فبحسب اختلاف تلك الأوصاف تثبت أحكام مختلفة، وهو شيء واحد، كمن حلف لا يشرب الخمر، ثمّ شرب خمر الذميّ في نهار رمضان بغير إذنه، يجب عليه خمسة أحكام مختلفة، وما سببها إلا شيء واحد وهو الشّرب، فالأحكام هي ضمان (١) خمر الذميّ، وكفارة الفطر، وقضاء صوم ذلك اليوم، وكفارة الحنث، والحد.

وكذلك يثبت الحكمان في رواية من المسائل لاقتضائها الوجود والعدم بحسب الحجّة، ألا ترى أن الملك إذا ثبت للمستحق بإقرار المشتري أي لم يرجع على البايع بالثّمن، وإن شهادة الرجل وامرأتين بالسّرقة حجّة في حق المال دون القطع، وأحد الورثة إذا أقرّ بدين الميّت يصدق في حقّه، ولا يصدق في حقّ سائر الورثة، وإن كان كلّ واحد من الوصفين في هذه المسائل لا ينفكّ عن الآخر، لاولم يقل فيه، ردت الملك للمستحقّ أم لا؟ بل يقال: ثبت من حيث الإقرار ولم يثبت من حيث الشّهادة.

قوله -رحمه الله-: وكذلك لو قال: إن كنت تحبين، إلى قوله: ولا تطلق صاحبتها، غير أنّ هذه المسألة تفارق المسألة الأولى بوجهين:

أحدهما: أنّ هذا يقتصر على المجلس، إذا صرت بذلك في المجلس يقع ولا يقع في غير ذلك المجلس؛ لأنّه أثبت التخيير حيث جعل الأمر إلى اختيارها ومحبتها، وفي مسألة الحيض لا يقتصر؛ لأنّه ليس فيه معنى التّمليك بل هي نظيره سائر التّعليقات فلا يقتصر على المجلس.

والثّاني: أنّها لو كانت كاذبة فيما قالت لا يقع الطّلاق فيما بينه وبين الله تعالى في مسألة الحيض.

وأمّا في فصل المحبة فيقع؛ لأنّ حقيقة المحبة والبغض ما لا يوقف عليها من قبل أحدٍ لا من قبلها ولا من قبل غيرها؛ لأنّ القلب متقلب لا يستقرّ على شيء ممّا لم يوقف عليه يتعلّق الحكم بدليله، كالسّفر مع المشقّة، والنوم مع الحدث، فصار كلّ الشّرط هو الاخبار عن المحبّة وقد وجد فتبعه حكمه.


(١) الضمان، مصدر ضمن الشيء ضمانًا، فهو ضامن وضمين: إذا كفل به. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص ٢٩٧).