للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا الحيض فإنّ له حقيقة وأيّامًا معلومة فيتعلّق الحكم به فإذا أخبرت كاذبة لا يقع فيما بينه وبين الله -كذا في «مبسوط فخر الإسلام» (١) رحمه الله-، وذكر مسألة في «الفوائد الظهيرية» (٢)، تشهد لصحّة ما ذكرنا، وهي أنّه لو قال: أنت طالق إن كنت أنا أحبّ كذا، ثم قال: لست أحبّه وهو كاذب به، فهي امرأته ويسعه أن يطأها فيما بينه وبين الله تعالى.

قال شمس الأئمة -رحمه الله-: وهذا مشكل؛ لأنّه إن كان لا يعرف ما في قلبها حقيقة يعرف ما في قلبه، ولكن الطّريق ما قلنا، وهو أنّ ما في قلبه وما في قلبها لا يمكن الوقوف على حقيقته، فإنّما يتعلّق الحكم بالسّبب الظّاهر وهو الإخبار فيدور الحكم مع السّبب الظّاهر وجودًا وعدمًا، ويسقط اعتبار المعنى الخفي ولا يتيقن بكذبها جواب سؤال مقدّر، فإنّه ذكر السؤال.

والجواب في «الجامع الصّغير» لقاضي خان -رحمه الله- وقال: فإن قيل: لما كان قبول قولها في حقّها باعتبار الصدق فإذا أخبرت بمحبته العذاب، ونحن نتيقن بكذبها في ذلك، وجب أن لا يقبل قولها أصلاً.

قلنا: لم يتيقن بكذبها في ذلك فإنّ الجاهل قد يختار العذاب على ما يبغضه، فلعلها لشدة بغضها زوجها وجهلها بمقدار ألم العذاب يختار ذلك، فلم تكن كاذبة قطعًا، فإذا استمر ثلاثة أيام حكمنا بالطّلاق حين حاضت، وفائدة هذا تظهر فيما إذا كانت المرأة غير مدخول بها، فإنّها لما رأت دماً تزوجت بزوج آخر، واستمر بها الدّم ثلاثة أيّام، كان النكاح صحيحًا؛ لانقطاعها عن الزوج بأوّل ما رأت لا إلى عدة، وتطهر أيضاً فيما إذا قال: إن حضت فعبدي حرّ، والمسألة بحالها كان العبد حرًا من حين رأت الدّم حتّى كان الإكساب للعبد، ويظهر أيضاً في حق الجناية منه وعليه، وقيل: يجب على المعنى أن يجيب بقوله: كانت مطلقة من أوّل ثلاثة أيّام عمّا سئل بعد استمرار ثلاثة أيّام هل يقع الطّلاق أم لا؟.

وبالفارسيّة طلاق شده است، ولو قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتّى يظهر من حيضها، وكذا إذا قال إذا حضت نصف حيضة؛ لأنّ الحيض لا ينتصف - كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله-، وعن هذا قالوا: لو قال: إذا حضت فأنت طالق، كان الطّلاق بدعياً، وإذا قال: إن حضت حيضة فأنت طالق، كان سنيًا؛ لأنّه لا يقع إلا بعد ما طهرت، ولهذا حمل عليه في حديث الاستبراء، وهو ما قال -عليه السلام- في سبايا (٣) أوطاس (٤): «ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة» (٥)، أراد بها الحيضة الكاملة وكمال الحيض بانتهائه بها (٦)، وذلك انقطاع الدّم إذا كان أيّامها عشرة أو بالانقطاع والغسل أو ما يقوم مقام الغسل إذا كانت أيّامها دون العشرة -كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله-.


(١) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٤/ ٢٩).
(٢) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٤/ ٢٩).
(٣) سبي: السَّبْيُ والسِّباءُ: سَبَى العدوَّ وغيرَه سَبْياً وسِباءً إِذَا أَسَرَه، فَهُوَ سَبِيٌّ، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هاءٍ مِنْ نِسْوة سَبايا. ينظر: لسان العرب (١٤/ ٣٦٧).
(٤) بفتح أوّله، وبالطاء والسين المهملتين: واد فى ديار هوازن، فيه كانت وقعة حنين للنبي -صلى الله عليه وسلم-. ينظر: معجم البلدان (١/ ٢٨١)، ومعجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (١/ ٢١٢).
(٥) أخرجه أبي داود في سننه (كتاب النكاح/ باب في وطء السَّبايا/ ٢١٥٧)، والدارمي في سننه (كتاب الطلاق/ بَابٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ/ ٢٣٤١)، قال الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: "حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ"، ينظر: نصب الراية (٤/ ٢٥٢).
(٦) سقط من (ب).