للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعلم أن ههنا قيدًا ذكره في «الذّخيرة» (١)، وهو إنّما يقبل قولهما فيما اخبرت من الطهر والحيض، الذي هو شرط وقوع الطّلاق إذا كان في ذلك الوقت الذي اخبرت به كان الطّهر أو الحيض قائمًا.

فأمّا إذا لم تكن موصوفة بما أخبرت في تلك الحال التي اخترت به، فلا تصدق وإن كان ذلك الطّهر والحيض بعد يمين الزّوج، بيان ذلك: أنّ الرجل إذا قال لامرأته: إنْ حِضْت حَيْضَةً فأنت طالق، فمكثت عشرة أيّام، ثم قالت المرأة حضت حيضة وطهرت واغتسلت، وكذّبها الزّوج فالقول في ذلك قولها.

وأمّا إذا قالت بعد تطاول الزّمان حضت فطهرت، وأنا الآن حائض بحيضة أخرى، لا يقبل قولها، ولا يقع عليها الطّلاق؛ لأنّها أخبرت عمّا هو شرط وقوع الطّلاق حين فواتها وانعدامها، ولا يقع الطّلاق إلا إذا أخبرت عن الطّهر بعد انقضاء هذه الحيضة، فحينئذ يقع الطّلاق، وكذلك في المسألة الأولى، إذا قال لها: إن حضت فأنت طالق، فمكثت خمسة أيام ثمّ قالت: قد حضت منذ خمسة أيام، وأنا الآن حايض صدقت، ووقع عليها الطّلاق؛ لأنّها أخبرت عمّا هو شرط وقوع الطّلاق حال قيامه، وهو ورود الدّم فإنّ الشّرط في هذه الحالة نفس الحيض، والحيض عبارة عنورود الدّم، ولو قالت - في هذه الصّورة -: حضت وطهرت لا تصدّق إذا كذّبها الزّوج؛ لأنّها أخبرت عمّا هو شرط وقوع الطّلاق حال فواته، والمعنى فيه هو أنّ الله تعالى جعل المرأة أمينة فيما تخبر من الحيض أو الطهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلقة بها، فمادامت الأحكام قائمة كان الِائْتِمَانِ قائمًا من جهة الشّرع، فيصدق، وإذا كانت الأحكام مقتضية، كان الِائْتِمَانِفايتًا، فلا تصدق.

وهذا بخلاف المودع في حق الوديعة (٢)، فإنّ المودع إذا قال: رددت الوديعة أو هلكت فإنّه يصدق، فلا يشترط لتصديقه فيما أخبر قيام الأمانة؛ لأنّ المودع صار أمينًا من جهة صاحب المال صريحًا وابتداءً لا لضرورة إقامة الأحكام فإنّ صاحب المال ائتمنه مطلقاً.

أمّا المرأة إنّما صارت أمينة فيما يخبر من الحيض أو الطّهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلّقة بها على ما ذكرنا، وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ، وكذا إذا قالت: صمت صومًا، بخلاف ما إذا قال: إذا صمت يعني فصامت ساعة مقرونة بالنية، طلقت -كذا ذكره الإمام التمرتاشي-، لزمه في القضاء تطليقة؛ لأنّ التيقّن فيها وفي الثّانية شك، وفيما بينه وبين الله تعالى ينبغي أن يأخذ التّطليقتين حتّى إذا كان طلقها قبل هذا واحدة فلا ينبغي له أن يتزوّجها حتى تنكح زوجًا غيره؛ لاحتمال أنّها مطلقة ثلاثاً، ولأن ترك امرأة يحل له وطئها خير من أن يطأ امرأة محرّمة عليه، وإن ولدت غلاماً وجاريتين في بطن واحد، فإن علم أنّها ولدت الجاريتين أولاً هي طالق ثنتين بولادة الأولى منهما، وقد انقضت عدّتها بولادة الغلام أولاً طلقت واحدة بولادة الغلام، وتطليقتين بولادة الجارية الأولى، وقد انقضت عدتها بولادة الأخرى، وَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا، ثُمَّ الْغُلَامَ ثُمَّ الْجَارِيَةَ، طلقت تطليقتين بولادة الجارية الأولى والثّالثة بولادة الغلام، وقد انقضت عدّتها بولادة الأخرى، كذا في «المبسوط» (٣).


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ١٢٩).
(٢) الوديعة: هي أمانة تركت عند الغير للحفظ قصدًا. ينظر: التعريفات (ص: ٢٥١).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٠٤).