للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: يظهر فيما ذكر في طلاق «فتاوى قاضي خان»، فقال: ثم اختلف أبو يوسف ومحمّد أن الطّلاق المعروف بالاستثناء في موضع يصح الاستثناء هل يكون يمينًا؟ قال أبو يوسف: يكون يمينًا حتّى لو قال لامرأته: إن حلفت بطلاقك فعبدي حرّ، ثم قال لها: أنت طالق إنشاء الله، حتّى يصحّ الاستثناء عندهما يحنث، في قول أبي يوسف، وقال محمّد (١): لا يكون يمينًا ولا يحنث، وإنماعدام أي: أنّ الاستثناء لعدم العلية قبل وجود الشّرط، والشّرط لا يعلم ههنا فيكون إعداماً من الأصل، فلذلك صار هو لإبطال الكلام (٢).

وذكر في «شرح الطّحاوي» أنّ قوله إنشاء الله (٣)، كما يعطل] ويبطل (٤) الكلام الذي قبله، كذلك لو قال: إن لم يشأ الله، أو قال ما شاء الله يبطل الكلام، وكذلك إذا علق بمشيئة من لا يظهر مشيئته لنا، كما إذا قال: أنت طالق إن شاء الجن، أو هذه الحائط، وما أشبه ذلك، ولو قال: أنت طالق إن شاء فلان، فعلم فلان ذلك في المجلس فشاء يقع الطّلاق.

وكذلك إن كان غائباً فإنّه يقتصر على مجلس علمه، بخلاف ما إذا قال: أنت طالق إن دخل فلان الدّار، أو فعل فعل كذا ففي أي وقت وجد الشّرط يقع الطّلاق، ولا يقتصر على المجلس، قال: وكذا إذا ماتت، هذا معطوف على قوله: لم يقع الطّلاق، والموت ينافي الموجب دون المبطل، هذا جواب سؤال مقدّر، بأن يقال: أن الموت ينافي قوله: أنت طالق.

حتّى لا يقع الطّلاق بقوله: أنت طالق حالة الموت، فينبغي أن ينافي المبطل -أيضاً -، وهو قوله: إن شاء الله، كما ينافي الموجب، فحينئذ يقع الطلاق، فأجاب عنه، وقال: أنّ الموت مبطل للإيجاب، كما أن إنشاء الله مبطل له فيتناسبان [من حيث الإبطال فلذلك لم يبطل الموت الاستثناء فلا يقع الطلاق لصحة الاستثناء، بخلاف ما إذا تاب الزوج، أي بعد قوله: أنت طالق، قبل قوله: إنشاء الله وهو يريد الاستثناء] حيث يقع الطّلاق، وإرادته الاستثناء إنّما يعلم فيما إذا كان قال قبل ذلك: إني أطلق امرأتي واستثنى.


(١) ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٤٠٢).
(٢) ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٤٠٢).
(٣) ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَا يُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ لَا يَقَعُ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَال: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٥١٣)، والاختيار (٣/ ١٤٢)، ومغني المحتاج (٣/ ٣٠٢)، والمغني لابن قدامة (٧/ ٢١٦)، وروضة الطالبين (٨/ ٩٦).
(٤) سقط من (ب).